وقوع عذاب الآخرة بلازمين ، فردّ الله عليهم ردا عاما بقوله : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ، وكان ذلك تثبيتا للمؤمنين ، ثم أعقبه بإنذارهم بأن عذاب الآخرة لا يفلتون منه أيضا وهو أشدّ العذاب.
فقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) خبر مستعمل في التعريض بالوعيد ، وهذا اليوم هو يوم القيامة.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُالْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [العنكبوت : ٥٣ ـ ٥٤].
وليس المراد بقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) إلى آخره استقصار أجل حلول العذاب بهم في الدنيا كما درج عليه أكثر المفسرين لعدم رشاقة ذلك على أن هذا الاستقصار يغني عنه قوله عقب هذا : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها) [الحج : ٤٨].
والخطاب في (تَعُدُّونَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين. وقرأ الجمهور (تَعُدُّونَ) بالفوقية ، وقرأه ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي مما يعدون ـ بياء الغائبين ـ. أي مما يعده المشركون المستعجلون بالعذاب.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨))
عطف على جملة (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) [الحج : ٤٧] أو على جملة (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) [الحج : ٤٧] باعتبار ما تضمنه استعجالهم بالعذاب من التعريض بأنهم آيسون منه لتأخّر وقوعه ، فذكّروا بأن أمما كثيرة أمهلت ثمّ حلّ بها العذاب. فوزان هذه الآية وزان قوله آنفا : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ) [الحج : ٤٥] إلخ ؛ إلا أن الأولى قصد منها كثرة الأمم التي أهلكت لئلا يتوهّم من ذكر قوم نوح ومن عطف عليهم أن الهلاك لم يتجاوزهم ولذلك اقتصر فيها على ذكر الإهلاك دون الإمهال. وهذه الآية القصد منها التذكير بأنّ تأخير الوعيد لا يقتضي إبطاله ، ولذلك اقتصر فيها على ذكر الإمهال ثم الأخذ بعده المناسب للإملاء من حيث إنه دخول في القبضة بعد بعده عنها.
وأما عطف جملة (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الحج : ٤٥] ـ بالفاء ـ وعطف جملة (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ) ـ بالواو ـ فلأن الجملة الأولى وقعت بدلا من جملة (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) [الحج : ٤٤] فقرنت ـ بالفاء ـ التي دخلت نظيرتها على الجملة