والتصدير باسم الإشارة في قوله (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) للتنبيه على أن المخبر عنهم جديرون بما سيرد بعد اسم الإشارة من الحكم لأجل ما ذكر قبله من الأوصاف ، أي هم أصحاب الجحيم لأنّهم سعوا في آياتنا معاجزين. ومن أحسن ما يفسر هذه الآية ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان (١) فالنّجاء النّجاء ، فأطاعته طائفة من قومه فأدلجوا (٢) وانطلقوا على مهلهم (٣) ، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتّبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحقّ».
[٥٢ ـ ٥٤] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤))
عطف على جملة (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الحج : ٤٩] لأنه لما أفضى الكلام السابق إلى تثبيت النبي عليه الصلاة والسلام وتأنيس نفسه فيما يلقاه من قومه من التكذيب بأن تلك شنشنة الأمم الظالمة من قبلهم فيما جاء عقب قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ) [الحج : ٤٨] إلخ ... وأنه مقصور على النّذارة فمن آمن فقد نجا ومن كفر فقد هلك ، أريد الانتقال من ذلك إلى تفصيل تسليته وتثبيته بأنه لقي ما لقيه سلفه من الرسل والأنبياء عليهمالسلام ، وأنه لم يسلم أحد منهم من محاولة الشيطان أن يفسد بعض ما يحاولونه من هدي الأمم وأنهم لقوا من أقوامهم مكذّبين ومصدّقين سنة الله في رسله عليهمالسلام.
فقوله : (مِنْ رَسُولٍ وَلا) نبيء نص في العموم ، فأفاد أنّ ذلك لم يعد أحدا من
__________________
(١) العريان : المجرد من الثياب ـ والنذير العريان مثل أصله : أن أحد القوم إذا رأى عدوا يريد غرة قومه ولم يجد شيئا يشير به نزع ثوبه فألوى به أي لوح.
(٢) أدلجوا بهمزة قطع مفتوحة وبسكون الدال أي : ساروا في دلجة الليل ، أي : ظلامه.
(٣) المهل ـ بفتحتين ـ عدم العجلة ، أي : انطلقوا غير فزعين.