الأنبياء والرسل.
وعطف نبيء على (رَسُولٍ) دالّ على أنّ للنبي معنى غير معنى الرسول :
فالرسول : هو الرجل المبعوث من الله إلى الناس بشريعة. والنبي : من أوحى الله إليه بإصلاح أمر قوم بحملهم على شريعة سابقة أو بإرشادهم إلى ما هو مستقر في الشّرائع كلها فالنبي أعمّ من الرسول ، وهو التحقيق.
والتمنّي : كلمة مشهورة ، وحقيقتها : طلب الشيء العسير حصوله. والأمنية : الشيء المتمنّى. وإنما يتمنى الرسل والأنبياء أن يكون قومهم كلّهم صالحين مهتدين ، والاستثناء من عموم أحوال تابعة لعموم أصحابها وهو (مِنْ رَسُولٍ) ولا نبيء ، أي ما أرسلناهم في حال من الأحوال إلّا في حال إذا تمنّى أحدهم أمنية ألقى الشيطان فيها إلخ ، أي في حال حصول الإلقاء عند حصول التمني لأنّ أماني الأنبياء خير محض والشيطان دأبه الإفساد وتعطيل الخير.
والقصر المستفاد من النفي والاستثناء قصر موصوف على صفة ، وهو قصر إضافي ، أي دون أن نرسل أحدا منهم في حال الخلو من إلقاء الشيطان ومكره.
والإلقاء حقيقته : رمي الشيء من اليد. واستعير هنا للوسوسة وتسويل الفساد تشبيها للتسويل بإلقاء شيء من اليد بين الناس. ومنه قوله تعالى : (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) [طه : ٨٧] وقوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) [النحل : ٨٦] وكقوله تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها) [طه : ٩٦] على ما حققناه فيما مضى.
ومفعول (أَلْقَى) محذوف دل عليه المقام لأنّ الشيطان إنما يلقي الشر والفساد ، فإسناد التمني إلى الأنبياء دل على أنه تمنّي الهدى والصلاح ، وإسناد الإلقاء إلى الشيطان دلّ على أنه إلقاء الضلال والفساد. فالتقدير : أدخل الشيطان في نفوس الأقوام ضلالات تفسد ما قاله الأنبياء من الإرشاد.
ومعنى إلقاء الشيطان في أمنية النبي والرسول إلقاء ما يضادّها ، كمن يمكر فيلقى السمّ في الدّسم ، فإلقاء الشيطان بوسوسته : أن يأمر الناس بالتكذيب والعصيان ، ويلقي في قلوب أئمّة الكفر مطاعن يبثونها في قومهم ، ويروّج الشبهات بإلقاء الشكوك التي تصرف نظر العقل عن تذكر البرهان ، والله تعالى يعيد الإرشاد ويكرّر الهدي على لسان النبي ، ويفضح وساوس الشيطان وسوء فعله بالبيان الواضح كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ