الكلام السابق.
وعلوّ الله : مستعار للجلال والكمال التام.
والكبر : مستعار لتمام القدرة ، أي هو العلي الكبير دون الأصنام التي تعبدونها إذ ليس لها كمال ولا قدرة ببرهان المشاهدة.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣))
انتقال إلى التذكير بنعم الله تعالى على الناس بمناسبة ما جرى من قوله (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) [الحج : ٦٢] الآية. والمقصود : التعريض بشكر الله على نعمه وأن لا يعبدوا غيره كما دلّ عليه التذييل عقب تعداد هذه النعم بقوله (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) [الحج : ٦٦] ، أي الإنسان المشرك. وفي ذلك كله إدماج الاستدلال على انفراده بالخلق والتدبير فهو الرب الحق المستحق للعبادة. والمناسبة هي ما جرى من أن الله هو الحق وأن ما يدعونه الباطل ، فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا.
والخطاب لكلّ من تصلح منه الرؤية لأنّ المرئيّ مشهور.
والاستفهام : إنكاري ، نزلت غفلة كثير من الناس عن الاعتبار بهذه النعمة والاعتداد بها منزلة عدم العلم بها ، فأنكر ذلك العدم على الناس الذين أهملوا الشكر والاعتبار.
وإنما حكي الفعل المستفهم عنه الإنكاري مقترنا بحرف (لم) الذي يخلّصه إلى المضي ، وحكي متعلقه بصيغة الماضي في قوله : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو الإنزال بصيغة الماضي كذلك ولم يراع فيهما معنى تجدّد ذلك لأن موقع إنكار عدم العلم بذلك هو كونه أمرا متقررا ماضيا لا يدّعى جهله.
و (فَتُصْبِحُ) بمعنى تصير فإن خمسا من أخوات (كان) تستعمل بمعنى : صار.
واختير في التعبير عن النبات الذي هو مقتضى الشكر لما فيه من إقامة أقوات الناس والبهائم بذكر لونه الأخضر لأنّ ذلك اللون ممتع للأبصار فهو أيضا موجب شكر على ما خلق الله من جمال المصنوعات في المرأى كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦].
وإنما عبّر عن مصير الأرض خضراء بصيغة تصبح مخضرة مع أن ذلك مفرّع على