فعل (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) الذي هو بصيغة الماضي لأنه قصد من المضارع استحضار تلك الصورة العجيبة الحسنة ، ولإفادة بقاء أثر إنزال المطر زمانا بعد زمان كما تقول : أنعم فلان عليّ فأروح وأغدو شاكرا له.
وفعل تصبح مفرّع على فعل (أَنْزَلَ) فهو مثبت في المعنى. وليس مفرّعا على النفي ولا على الاستفهام ، فلذلك لم ينصب بعد الفاء لأنه لم يقصد بالفاء جواب للنفي إذ ليس المعنى : ألم تر فتصبح الأرض. قال سيبويه : «وسألته (يعني الخليل) عن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) فقال : هذا واجب (أي الرفع واجب) وهو تنبيه كأنك قلت : أتسمع : أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا اه.
قال في «الكشاف» : «لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض لأن معناه (أي الكلام) إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار. مثاله أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر ، إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه فيه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر. وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب»اه.
والمخضرّة : التي صار لونها الخضرة. يقال : اخضرّ الشيء ، كما يقال : اصفرّ الثمر واحمرّ ، واسودّ الأفق : وصيغة افعلّ مما يصاغ للاتصاف بالألوان.
وجملة (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) في موقع التعليل للإنزال ، أي أنزل الماء المتفرّع عليه الاخضرار لأنه لطيف ، أي رفيق بمخلوقاته ، ولأنه عليم بترتيب المسببات على أسبابها.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤))
الجملة خبر ثان عن اسم الجلالة في قوله : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [الحج : ٦٣] للتنبيه على اختصاصه بالخالقية والملك الحقّ ليعلم من ذلك أنه المختصّ بالمعبودية فيرد زعم المشركين أنّ الأصنام له شركاء في الإلهية وصرف عبادتهم إلى أصنامهم ، والمناسبة هي ذكر إنزال المطر وإنبات العشب فما ذلك إلا بعض ما في السماوات وما في الأرض.
وإنما لم تعطف الجملة على التي قبلها مع اتحادهما في الغرض لأن هذه تتنزّل من الأولى منزلة التذييل بالعموم الشامل لما تضمنته الجملة التي قبلها ، ولأن هذه لا تتضمن تذكيرا بنعمة.
وجملة (إِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) عطف على جملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي