لما فيها من عموم الحكم للمخاطبين وغيرهم وتكون الواو اعتراضية تذييلية.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣))
أعقبت تضاعيف الحجج والمواعظ والإنذارات التي اشتملت عليها السورة مما فيه مقنع للعلم بأن إله الناس واحد وأن ما يعبد من دونه باطل ، أعقبت تلك كلها بمثل جامع لوصف حال تلك المعبودات وعابديها.
والخطاب ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) للمشركين لأنهم المقصود بالردّ والزجر وبقرينة قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) على قراءة الجمهور (تَدْعُونَ) بتاء الخطاب.
فالمراد ب (النَّاسُ) هنا المشركون على ما هو المصطلح الغالب في القرآن. ويجوز أن يكون المراد ب (النَّاسُ) جميع الناس من مسلمين ومشركين.
وفي افتتاح السورة ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وتنهيتها بمثل ذلك شبه بردّ العجز على الصدر. ومما يزيده حسنا أن يكون العجز جامعا لما في الصدر وما بعده ، حتى يكون كالنتيجة للاستدلال والخلاصة للخطبة والحوصلة للدرس.
وضرب المثل : ذكره وبيانه ؛ استعير الضرب للقول والذكر تشبيها بوضع الشيء بشدّة ، أي ألقي إليكم مثل. وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في [سورة البقرة : ٢٦].
وبني فعل (ضُرِبَ) بصيغة النائب فلم يذكر له فاعل بعكس ما في المواضع الأخرى التي صرّح فيها بفاعل ضرب المثل نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في [سورة البقرة : ٢٦] و (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) في [سورة النحل : ٧٥] و (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً) في [سورة الزمر : ٢٩] و (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) في [سورة النحل : ٧٦]. إذ أسند في تلك المواضع وغيرها ضرب المثل إلى الله ، ونحو قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) في [سورة النحل : ٧٤]. و (ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) في [سورة يس : ٧٨] ، إذ أسند الضرب إلى المشركين ، لأنّ المقصود هنا نسج التركيب على إيجاز صالح لإفادة احتمالين :