وذهب جمع غفير إلى أن ذلك موضع سجدة ، وروى الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وفقهاء المدينة ، ونسبه ابن العربي إلى مالك في رواية المدنيين من أصحابه عنه. وقال ابن عبد البر في «الكافي» : «ومن أهل المدينة قديما وحديثا من يرى السجود في الثانية من الحجّ قال : وقد رواه ابن وهب عن مالك». وتحصيل مذهبه أنها إحدى عشرة سجدة ليس في المفصّل منها شيء» ، فلم ينسبه إلى مالك إلا من رواية ابن وهب ، وكذلك ابن رشد في «المقدمات» : فما نسبه ابن العربي إلى المدنيين من أصحاب مالك غريب.
وروى الترمذي عن ابن لهيعة عن مشرح (١) عن عقبة بن عامر قال : «قلت يا رسول الله فضلت سورة الحجّ لأنّ فيها سجدتين؟ قال : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» اه. قال أبو عيسى : هذا حديث إسناده ليس بالقويّ اه ، أي من أجل أن ابن لهيعة ضعّفه يحيى بن معين ، وقال مسلم : تركه وكيع ، والقطّان ، وابن مهدي. وقال أحمد : احترقت كتبه فمن روى عنه قديما (أي قبل احتراق كتبه) قبل.
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ)
الجهاد بصيغة المفاعلة حقيقة عرفية في قتال أعداء المسلمين في الدّين لأجل إعلاء كلمة الإسلام أو للدفع عنه كما فسّره النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». وأن ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه حين قفل من غزوة تبوك قال لأصحابه: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» ، وفسّره لهم بمجاهدة العبد هواه(٢) ، فذلك محمول على المشاكلة بإطلاق الجهاد على منع داعي النفس إلى المعصية.
ومعنى (في) التعليل ، أي لأجل الله ، أي لأجل نصر دينه كقول النبيصلىاللهعليهوسلم : «دخلت
__________________
(١) مشرح ـ بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة هو ابن عاهان المعافري تابعي توفى سنة ١٢٠ ه.
(٢) رواه البيهقي عن جابر بن عبد الله بسند ضعيف.