امرأة النار في هرّة» أي لأجل هرة ، أي لعمل يتعلق بهرّة كما بيّنه بقوله : «حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها ترمم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا».
وانتصب (حَقَّ جِهادِهِ) على المفعول المطلق المبيّن للنوع ، وأضيفت الصفة إلى الموصوف ، وأصله : جهاده الحقّ ، وإضافة جهاد إلى ضمير الجلالة لأدنى ملابسة ، أي حق الجهاد لأجله ، وقرينة المراد تقدّم حرف (في) كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢].
والحق بمعنى الخالص ، أي الجهاد الذي لا يشوبه تقصير.
والآية أمر بالجهاد ، ولعلّها أول آية جاءت في الأمر بالجهاد لأنّ السورة بعضها مكي وبعضها مدنيّ ولأنه تقدم آنفا قوله : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) [الحج : ٦٠] ، فهذا الآن أمر بالأخذ في وسائل النصر ، فالآية نزلت قبل وقعة بدر لا محالة.
(هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)
جملة (هُوَ اجْتَباكُمْ) إن حملت على أنها واقعة موقع العلة لما أمروا به ابتداء من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) [الحج : ٧٧] إلخ ، أي لأنه لما اجتباكم ، كان حقيقا بالشكر له بتلك الخصال المأمور بها.
والاجتباء : الاصطفاء والاختبار ، أي هو اختاركم لتلقي دينه ونشره ونصره على معانديه. فيظهر أن هذا موجّه لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصالة ويشركهم فيه كل من جاء بعدهم بحكم اتّحاد الوصف في الأجيال كما هو الشأن في مخاطبات التشريع.
وإن حمل قوله (هُوَ اجْتَباكُمْ) على معنى التفضيل على الأمم كان ملحوظا فيه تفضيل مجموع الأمة على مجموع الأمم السابقة الراجع إلى تفضيل كل طبقة من هذه الأمة على الطبقة المماثلة لها من الأمم السالفة.
وقد تقدم مثل هذين المحملين في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١١٠].