(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣))
الأظهر أن هذه الجملة حال مكملة لمدلول قوله تعالى : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ١٩ ـ ٢٠] كما تقدم عند قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) [الأنبياء : ٢١] إلخ .. فالمعنى أن من عنده وهم المقربون من المخلوقات هم مع قربهم يسألون عما يفعلون ولا يسألونه عما يفعل ، أي لم يبلغ بهم قربهم إلى حدّ الإدلال عليه وانتصابهم لتعقب أفعاله. فلما كان الضمير المرفوع بالنيابة عن الفاعل مشعرا بفاعل حذف لقصد التعميم ، أي لا يسأل سائل الله تعالى عما يفعل. وكان ممن يشملهم الفاعل المحذوف هم من عنده من المقربين ، صحّ كون هذه الجملة حالا من (مَنْ عِنْدَهُ) [الأنبياء : ١٩] ، على أن جملة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) تمهيد لجملة (وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
على أن تقديمه على جملة (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) اقتضته مناسبة الحديث عن تنزيهه تعالى على الشركاء فكان انتقالا بديعا بالرجوع إلى بقية أحوال المقربين.
فالمقصود أن من عنده مع قربهم ورفعة شأنهم يحاسبهم الله على أعمالهم فهم يخافون التقصير فيما كلفوا به من الأعمال ولذلك كانوا لا يستحسرون ولا يفترون.
وبهذا تعلم أن ليس ضمير (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) براجع إلى ما رجع إليه ضمير (يَصِفُونَ) [الأنبياء : ٢٢] لأن أولئك لا جدوى للإخبار بأنهم يسألون إذ لا يتردد في العلم بذلك أحد ، ولا براجع إلى (آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) [الأنبياء : ٢١] لعدم صحة سؤالهم ، وذلك هو ما دعانا إلى اعتبار جملة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) حالا من (مَنْ عِنْدَهُ) [الأنبياء : ١٩].
والسؤال هنا بمعنى المحاسبة ، وطلب بيان سبب الفعل ، وإبداء المعذرة عن فعل بعض ما يفعل ، وتخلّص من ملام أو عتاب على ما يفعل. وهو مثل السؤال في الحديث «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». فكونهم يسألون كناية عن العبودية لأن العبد بمظنة المؤاخذة على ما يفعل وما لا يفعل وبمظنة التعرض للخطإ في بعض ما يفعل.
وليس المقصود هنا نفي سؤال الاستشارة أو تطلب العلم كما في قوله تعالى (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في [البقرة : ٣٠] ، ولا سؤال الدعاء ، ولا سؤال الاستفادة والاستنباط مثل أسئلة المتفقهين أو المتكلمين عن الحكم المبثوثة في الأحكام الشرعية أو في النظم الكونية لأن ذلك استنباط وتتبع وليس مباشرة بسؤال الله تعالى ، ولا لتطلب