إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) في [آل عمران : ١٨].
وأضرب عن الاستدلال بأنه استدلال مضيع فيهم بقوله تعالى : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) ، أي لا ترج منهم اعترافا ببطلان شركهم من دليل العقل المتقدم ولا من دليل شهادة الشرائع المذكور ثانيا ، فإن أكثرهم لا يعلمون الحق ولا يكتسبون علمه.
والمراد بكونهم لا يعلمون الحق أنهم لا يتطلبون علمه كما دلت عليه قرينة التفريع عليه بقوله تعالى (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) ، أي معرضون عن النظر في الأدلة التي تدعوهم أنت إلى معرفتها والنظر فيها.
وإنما أسند هذا الحكم إلى أكثرهم لا لجميعهم تسجيلا عليهم بأن قليلا منهم يعلمون الحق ويجحدونه ، أو إيماء إلى أن قليلا منهم تهيّأت نفوسهم لقبول الحقّ. وتلك هي الحالة التي تعرض للنفس عند هبوب نسمات التوفيق عليها مثل ما عرض لعمر بن الخطاب حين وجد اللوح عند أخته مكتوبا فيه سورة طه فأقبل على قراءته بشراشره فما أتمها حتى عزم على الإسلام.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥))
لما أظهر لرسوله أن المعاندين لا يعلمون الحق لإعراضهم عن تلقّيه أقبل على رسولهصلىاللهعليهوسلم بتأييد مقاله الذي لقّنه أن يجيبهم به وهو قوله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) [الأنبياء : ٢٤] ، فأفاده تعميمه في شرائع سائر الرسل سواء من أنزل عليه كتاب ومن لم ينزل عليه كتاب ، وسواء من كان كتابه باقيا مثل موسى وعيسى وداود ومن لم يبق كتابه مثل إبراهيم.
وليس ذكر هذه الجملة لمجرد تقرير ما قبلها من آي التوحيد وإن أفادت التقرير تبعا لفائدتها المقصودة. وفيها إظهار لعناية الله تعالى بإزالة الشرك من نفوس البشر وقطع دابره إصلاحا لعقولهم بأن يزال منها أفظع خطل وأسخف رأي ، ولم تقطع دابر الشرك شريعة كما قطعه الإسلام بحيث لم يحدث الإشراك في هذه الأمّة.
وحرف (من) في قوله تعالى (مِنْ رَسُولٍ) مزيد لتوكيد النفي.