على سبيل الفرض ، أي لو قاله واحد منهم مع العلم بأنهم لا يقولونه لأجل ما تقرر من شدة خشيتهم. فالمقصود من هذا الشرط التعريض بالذين ادّعوا لهم الإلهية بأنهم ادعوا لهم ما لا يرضونه ولا يقولونه ، وأنهم ادعوا ما يوجب لقائله نار جهنم على حد (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥].
وعدل عن (إن) الشرطية إلى (من) الشرطيّة للدلالة على العموم مع الإيجاز. وأدخل اسم الإشارة في جواب الشرط لتحقيق التعليق بنسبته الشرط لأداته للدلالة على جدارة مضمون الجزاء بمن ثبت له مضمون الشرط ، وفي هذا إبطال لدعوى عامة النصارى إلهية عيسى عليهالسلام وأنهم يقولون عليه ما لم يقله. ثم صرح بما اقتضاه التعريض فقال تعالى (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أي مثل ذلك الجزاء وهو جهنم يجزي المثبتين لله شريكا. والظلم : الشرك.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠))
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما)
قرأ الجمهور (أَوَلَمْ) ـ بواو بعد الهمزة ـ وهي واو العطف ، فالجملة معطوفة عطف الاستدلال على الخلق الثاني بالخلق الأول وما فيه من العجائب. وقرأ ابن كثير ا لم ير بدون واو عطف. قال أبو شامة : ولم تثبت الواو في مصاحف أهل مكة. قلت : معناه أنها لم تثبت في المصحف الذي أرسل به عثمان إلى مكة فالتزم قراء مكة رواية عدم الواو إلى أن قرأ بها ابن كثير ، وأهملت غير قراءته.
والاستفهام على كلتا القراءتين إنكاري ، توجه الإنكار على إهمالهم للنظر.
والرؤية تحتمل أن تكون بصرية وأن تكون علمية. والاستفهام صالح لأن يتوجه إلى كلتيهما لأن إهمال النظر في المشاهدات الدالة على علم ما ينقذ علمه من التورط في العقائد الضالة حقيق بالإنكار ، وإنكار أعمال الفكر في دلالة الأشياء على لوازمها حتى لا يقع أحد في الضلال جدير أيضا بالإنكار أو بالتقرير المشوب بإنكار كما سنفصله.
والرّتق : الاتصال والتلاصق بين أجزاء الشيء.
والفتق : ضده ، وهو الانفصال والتباعد بين الأجزاء.