بأنهم يتربصون بك ريب المنون من فرط غرورهم ، فالتفريع كان على ما في الجملة الأولى من القول بالموجب ، أي ما هم بخالدين حتى يوقنوا أنهم يرون موتك. وفي الإنكار الذي هو في معنى النفي إنذار لهم بأنهم لا يرى موته منهم أحد.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥))
جمل معترضات بين الجملتين المتعاطفتين.
ومضمون الجملة الأولى مؤكد لمضمون الجملة المعطوف عليها ، وهي (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) [الأنبياء : ٣٤]. ووجه إعادتها اختلاف القصد فإن الأولى للرد على المشركين وهذه لتعليم المؤمنين.
واستعير الذوق لمطلق الإحساس الباطني لأن الذوق إحساس باللسان يقارنه ازدراد إلى بالباطن.
وذوق الموت ذوق آلام مقدماته وأما بعد حصوله فلا إحساس للجسد.
والمراد بالنفس النفوس الحالّة في الأجساد كالإنسان والحيوان. ولا يدخل فيه الملائكة لأن إطلاق النفوس عليهم غير متعارف في العربية بل هو اصطلاح الحكماء وهو لا يطلق عندهم إلا مقيّدا بوصف المجردات ، أي التي لا تحل في الأجساد ولا تلابس المادة. وأما إطلاق النفس على الله تعالى فمشاكلة : إما لفظية كما في قوله تعالى (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) في سورة المائدة [١١٦]. وإما تقديرية كما في قوله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) في آل عمران [٢٨].
وجملة (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) عطف على الجملة المعترضة بمناسبة أن ذوق الموت يقتضي سبق الحياة ، والحياة مدة يعتري فيها الخير والشرّ جميع الأحياء ، فعلّم الله تعالى المسلمين أن الموت مكتوب على كل نفس حتى لا يحسبوا أن الرسول صلىاللهعليهوسلم مخلد. وقد عرض لبعض المسلمين عارض من ذلك ، ومنهم عمر بن الخطاب رضياللهعنه فقد قال يوم انتقال النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الرفيق الأعلى : «ليرجعنّ رسول الله فيقطّع أيدي قوم وأرجلهم» حتى حضر أبو بكر رضياللهعنه وثبته الله في ذلك الهول فكشف عن وجه النبي صلىاللهعليهوسلم وقبّله وقال : «طبت حيا وميتا والله لا يجمع الله عليك موتتين». وقد قال عبد بني الحسحاس وأجاد :