آلهتهم مما يسوءهم ، فإن الذكر يكون بخير وبشّر فإذا لم يصرح بمتعلقه يصار إلى القرينة كما هنا وكما في قوله تعالى الآتي : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) [الأنبياء : ٦٠]. وكلامهم مسوق مساق الغيظ والغضب ، ولذلك أعقبه الله بجملة الحال وهي (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) ، أي يغضبون من أن تذكر آلهتهم بما هو كشف لكنهها المطابق للواقع في حال غفلتهم عن ذكر الرحمن الذي هو الحقيق بأن يذكروه. فالذكر الثاني مستعمل في الذكر بالثناء والتمجيد بقرينة المقام. والأظهر أن المراد بذكر الرحمن هنا القرآن ، أي الذكر الوارد من الرحمن. والمناسبة الانتقال من ذكر إلى ذكر. ومعنى كفرهم بذكر الرحمن إنكارهم أن يكون القرآن آية دالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فقالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥]. وأيضا كفرهم بما جاء به القرآن من إثبات البعث.
وعبر عن الله تعالى باسم (الرَّحْمنِ) تورّكا عليهم إذ كانوا يأبون أن يكون الرحمن اسما لله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) في سورة [الفرقان : ٦٠].
وضمير الفصل في قوله تعالى : (هُمْ كافِرُونَ) يجوز أن يفيد الحصر ، أي هم كافرون بالقرآن دون غيرهم ممن أسلم من أهل مكة وغيرهم من العرب لإفادة أنّ هؤلاء باقون على كفرهم مع توفر الآيات والنذر.
ويجوز أن يكون الفصل لمجرد التأكيد تحقيقا لدوام كفرهم مع ظهور ما شأنه أن يقلعهم عن الكفر.
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧))
جملة (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) معترضة بين جملة (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٣٦] وبين جملة (سَأُرِيكُمْ آياتِي) ، جعلت مقدمة لجملة (سَأُرِيكُمْ آياتِي). أمّا جملة (سَأُرِيكُمْ آياتِي) فهي معترضة بين جملة (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) [الأنبياء : ٣٦] وبين جملة (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) [الأنبياء : ٣٨] ، لأن قوله تعالى : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) [الأنبياء : ٣٦] يثير في نفوس المسلمين تساؤلا عن مدى إمهال المشركين ، فكان قوله تعالى : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) استئنافا بيانيا جاء معترضا بين الجمل التي تحكي أقوال المشركين وما تفرع عليها. فالخطاب إلى المسلمين الذين كانوا يستبطئون حلول الوعيد الذي توعد فالله تعالى به المكذبين.