المشاهدة.
والمراد : نقصان عدد المشركين بدخول كثير منهم في الإسلام ممن أسلم من أهل مكة ، ومن هاجر منهم إلى الحبشة ، ومن أسلم من أهل المدينة إن كانت الآية نزلت بعد إسلام أهل العقبة الأولى أو الثانية ، فكان عدد المسلمين يومئذ يتجاوز المائتين. وتقدم نظير هذه الجملة في ختام سورة الرعد.
وجملة (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) مفرعة على جملة التعجيب من عدم اهتدائهم إلى هذه الحالة. والاستفهام إنكاري ، أي فكيف يحسبون أنهم غلبوا المسلمين وتمكنوا من الحجة عليهم.
واختيار الجملة الاسمية في قوله تعالى : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) دون الفعلية لدلالتها بتعريف جزأيها على القصر ، أي ما هم الغالبون بل المسلمون الغالبون ، إذ لو كان المشركون الغالبين لما كان عددهم في تناقص ، ولما خلت بلدتهم من عدد كثير منهم.
(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥))
استئناف ابتدائي مقصود منه الإتيان على جميع ما تقدم من استعجالهم بالوعد تهكما بقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) [الأنبياء : ٣٨] ، من التهديد الذي وجه إليهم بقوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٣٩] إلخ ... ومن تذكيرهم بالخالق وتنبيههم إلى بطلان آلهتهم بقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) إلى قوله تعالى : (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) [الأنبياء : ٤٢ ـ ٤٤] ، ومن الاحتجاج عليهم بظهور بوارق نصر المسلمين ، واقتراب الوعد بقوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الأنبياء : ٤٤] ، عقب به أمر الله رسوله أن يخاطبهم بتعريف كنه دعوته ، وهي قصره على الإنذار بما سيحلّ بهم في الدنيا والآخرة إنذارا من طريق الوحي المنزل عليه من الله تعالى وهو القرآن ، أي فلا تعرضوا عنه ، ولا تتطلبوا مني آية غير ذلك ، ولا تسألوا عن تعيين آجال حلول الوعيد ، ولا تحسبوا أنكم تغيظونني بإعراضكم والتوغل في كفركم.
فالكلام قصر موصوف على صفة ، وقصره على المتعلّق بتلك الصفة تبعا لمتعلقه فهو قائم مقام قصرين. ولم يظهر لي مثال له من كلام العرب قبل القرآن.
وهذا الكلام يستلزم متاركة لهم بعد الإبلاغ في إقامة الحجة عليهم وذلك ذيل بقوله تعالى : (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ). والواو للعطف على (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ