أن مضمون ما بعدها من شأنه أن يتوهم تخلف الحكم عنه فإذا نصّ على شمول الحكم إياه علم أن شموله لما عداه بطريق الأولى. وقد يرد هذا الشرط بحرف (لو) غالبا كما في قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في [آل عمران : ٩١]. ويرد بحرف (إن) كما هنا ، وقول عمرو بن معد يكرب :
ليس الجمال بمئزر |
|
فاعلم وإن رديت بردا |
وقد تقدم في سورة آل عمران.
وقرأ الجمهور (مِثْقالَ) بالنصب على أنه خبر (كانَ) وأن اسمها ضمير عائد إلى (شَيْئاً). وجواب الشرط محذوف دل عليه الجملة السابقة.
وقرأ نافع وأبو جعفر (مِثْقالَ) مرفوعا على أن (كانَ) تامّة و (مِثْقالَ) فاعل.
ومعنى القراءتين متّحد المآل ، وهو : أنه إن كان لنفس مثقال حبّة من خردل من خير أو من شرّ يؤت بها في ميزان أعمالها ويجاز عليها.
وجملة (أَتَيْنا بِها) على القراءة الأولى مستأنفة ، وعلى القراءة الثانية إما جواب للشرط أو مستأنفة وجواب الشرط محذوف. وضمير (بِها) عائد إلى (مِثْقالَ حَبَّةٍ). واكتسب ضميره التأنيث لإضافة معاده إلى مؤنث وهو (حَبَّةٍ).
والمثقال : ما يماثل شيئا في الثقل ، أي الوزن ، فمثقال الحبة : مقدارها. والحبة : الواحدة من ثمر النبات الذي يخرج من السنبل أو في المزادات التي كالقرون أو العبابيد كالقطاني.
والخردل : حبوب دقيقة كحبّ السمسم هي بزور شجر يسمى عند العرب الخردل. واسمه في علم النبات (سينابيس). وهو صنفان بري وبستاني. وينبت في الهند ومصر وأوروبا. وشجرته ذات ساق دقيقة ينتهي ارتفاعها إلى نحو متر. وأوراقها كبيرة. يخرج أزهارا صفرا منها تتكون بزوره إذ تخرج في مزادات صغيرة مملوءة من هذا الحب ، تخرج خضراء ثم تصير سوداء مثل الخرنوب الصغير. وإذا دقّ هذا الحب ظهرت منه رائحة معطّرة إذا قربت من الأنف شما دمعت العينان ، وإذا وضع معجونها على الجلد أحدث فيه بعد هنيهة لذعا وحرارة ثم لا يستطيع الجلد تحملها طويلا ويترك موضعه من الجلد شديد الحمرة لتجمّع الدم بظاهر الجلد ولذلك يجعل معجونه بالماء دواء يوضع على المحل المصاب باحتقان الدم مثل ذات الجنب والنزلات الصدرية.