وجملة (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) عطف على جملة (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) ومفعول (كَفى) محذوف دل عليه قوله تعالى : (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً). والتقدير : وكفى الناس نحن في حال حسابهم.
ومعنى كفاهم نحن حاسبين أنهم لا يتطلعون إلى حاسب آخر يعدل مثلنا. وهذا تأمين للناس من أن يجازى أحد منهم بما لا يستحقه. وفي ذلك تحذير من العذاب وترغيب في الثواب.
وضمير الجمع في قوله تعالى (حاسِبِينَ) مراعى فيه ضمير العظمة من قوله تعالى (بِنا) ، والباء مزيدة للتوكيد ، وأصل التركيب : كفينا الناس ، وهذه الباء تدخل بعد فعل (كفى) غالبا فتدخل على فاعله في الأكثر كما هنا وقوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) في [سورة النساء : ٧٩]. وتدخل على مفعوله كما في الحديث : «كفى بالمرء إثما أن يحدّث بكل ما سمع».
وانتصب (حاسِبِينَ) على الحال أو التمييز لنسبة (كَفى). وتقدمت نظائر هذا التركيب غير مرّة منها في قوله تعالى (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) في [سورة النساء : ٧٩].
[٤٨ ـ ٥٠] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠))
عطف على جملة (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) إلى قوله تعالى : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] لإقامة الحجة على المشركين بالدلائل العقلية والإقناعية والزجرية ، ثم بدلائل شواهد التاريخ وأحوال الأمم السابقة الشاهدة بتنظير ما أوتيه النبيصلىاللهعليهوسلم بما أوتيه سلفه من الرسل والأنبياء ، وأنه ما كان بدعا من الرسل في دعوته إلى التوحيد تلك الدعوة التي كذبه المشركون لأجلها مع ما تخلل ذلك من ذكر عناد الأقوام ، وثبات الأقدام ، والتأييد من الملك العلّام ، وفي ذلك تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم على ما يلاقيه من قومه بأن تلك سنة الرسل السابقين كما قال تعالى : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) في سورة [الإسراء : ٧٧]. فجاء في هذه الآيات بأخبار من أحوال الرسل المتقدمين.
وفي سوق أخبار هؤلاء الرسل والأنبياء تفصيل أيضا لما بنيت عليه السورة من قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) يوحى إليهم [الأنبياء : ٧] الآيات ، ثم قوله تعالى :