يعرفون إبراهيم ، أو أن الشهداء أرادوا تحقيره بأنه مجهول لا يعرف وإنما يدعى أو يسمى إبراهيم ، أي ليس هو من الناس المعروفين.
ورفع (إِبْراهِيمُ) على أنه نائب فاعل (يُقالُ) ، لأن فعل القول إذا بني إلى المجهول كثيرا ما يضمن معنى الدعوة أو التسمية ، فلذلك حصلت الفائدة من تعديته إلى المفرد البحت وإن كان شأن فعل القول أن لا يتعدّى إلا إلى الجملة أو إلى مفرد فيه معنى الجملة مثل قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠].
ومعنى (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) على مشاهدة الناس ، فاستعير حرف الاستعلاء لتمكن البصر فيه حتى كأنّ المرئي مظروف في الأعين.
ومعنى (يَشْهَدُونَ) لعلهم يشهدون عليه بأنه الذي توعد الأصنام بالكيد.
[٦٢ ـ ٦٧] (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) ُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧))
وقع هنا حذف جملة تقتضيها دلالة الاقتضاء. والتقدير : فأتوا به فقالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا.
وقوله تعالى (بَلْ) إبطال لأن يكون هو الفاعل لذلك ، فنفى أن يكون فعل ذلك ، لأن (بل) تقتضي نفي ما دل على كلامهم من استفهامه.
وقوله تعالى (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) الخبر مستعمل في معنى التشكيك ، أي لعله فعله كبيرهم إذ لم يقصد إبراهيم نسبة التحطيم إلى الصنم الأكبر لأنه لم يدع أنه شاهد ذلك ولكنه جاء بكلام يفيد ظنه بذلك حيث لم يبق صحيحا من الأصنام إلا الكبير. وفي تجويز أن يكون كبيرهم هذا الذي حطمهم إخطار دليل انتفاء تعدد الآلهة لأنه أوهمهم أن كبيرهم غضب من مشاركة تلك الأصنام له في المعبودية ، وذلك تدرّج إلى دليل الوحدانية ، فإبراهيم في إنكاره أن يكون هو الفاعل أراد إلزامهم الحجة على انتفاء ألوهية الصنم العظيم ، وانتفاء ألوهية الأصنام المحطمة بطريق الأولى على نية أن يكر على ذلك كله