الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩))
وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شهدين (٧٨) ففهّمنا سليمان وكلّا آتينا حكما وعلما شروع في عداد جمع من الأنبياء الذين لم يكونوا رسلا. وقد روعي في تخصيصهم بالذكر ما اشتهر به كل فرد منهم من المزية التي أنعم الله بها عليه ، بمناسبة ذكر ما فضل الله به موسى وهارون من إيتاء الكتاب المماثل للقرآن وما عقب ذلك. ولم يكن بعد موسى في بني إسرائيل عصر له ميزة خاصة مثل عصر داود وسليمان إذ تطور أمر جامعة بني إسرائيل من كونها مسوسة بالأنبياء من عهد يوشع بن نون. ثم بما طرأ عليها من الفوضى من بعد موت (شمشون) إلى قيام (شاول) حميّ داود إلا أنه كان ملكا قاصرا على قيادة الجند ولم يكن نبيئا ، وأما تدبير الأمور فكان للأنبياء والقضاة مثل (صمويل).
فداود أول من جمعت له النبوءة والملك في أنبياء بني إسرائيل. وبلغ ملك إسرائيل في مدة داود حدّا عظيما من البأس والقوة وإخضاع الأعداء. وأوتي داود الزبور فيه حكمة وعظة فكان تكملة للتوراة التي كانت تعليم شريعة ، فاستكمل زمن داود الحكمة ورقائق الكلام.
وأوتي سليمان الحكمة وسخر له أهل الصنائع والإبداع فاستكملت دولة إسرائيل في زمانه عظمة النظام والثروة والحكمة والتجارة فكان في قصتها مثل.
وكانت تلك القصة منتظمة في هذا السلك الشريف سلك إيتاء الفرقان والهدى والرشد والإرشاد إلى الخير والحكم والعلم.
وكان في قصة داود وسليمان تنبيه على أصل الاجتهاد وعلى فقه القضاء فلذلك خص داود وسليمان بشيء من تفصيل أخبارهما فيكون (داوُدَ) عطفا على (نُوحاً) في قوله (وَنُوحاً) [الأنبياء : ٧٦] ، أي وآتينا داود وسليمان حكما وعلما إذ يحكمان ... إلى آخره. ف (إِذْ يَحْكُمانِ) متعلّق ب (آتينا) المحذوف ، أي كان وقت حكمهما في قضية الحرث مظهرا من مظاهر حكمهما وعلمهما.
والحكم : الحكمة ، وهو النبوءة. والعلم : أصالة الفهم. و (إِذْ نَفَشَتْ) متعلق ب (يَحْكُمانِ).