وهذه الآية أصل في اختلاف الاجتهاد ، وفي العمل بالراجح ، وفي مراتب الترجيح ، وفي عذر المجتهد إذا أخطأ الاجتهاد أو لم يهتد إلى المعارض لقوله تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) في معرض الثناء عليهما.
وفي بقية القصة ما يصلح لأن يكون أصلا في رجوع الحاكم عن حكمه ، كما قال ابن عطية وابن العربي ؛ إلا أن ذلك لم تتضمنه الآية ولا جاءت به السنّة الصحيحة ، فلا ينبغي أن يكون تأصيلا وأن ما حاولاه من ذلك غفلة.
وإضافة (حكم) إلى ضمير الجمع باعتبار اجتماع الحاكمين والمتحاكمين.
وتأنيث الضمير في قوله (فَفَهَّمْناها) ، ولم يتقدم لفظ معاد مؤنث اللفظ ، على تأويل الحكم في قوله تعالى : (لِحُكْمِهِمْ) بمعنى الحكومة أو الخصومة.
وجملة (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) تذييل للاحتراس لدفع توهم أن حكم داود كان خطأ أو جورا وإنما كان حكم سليمان أصوب.
وتقدمت ترجمة داود عليهالسلام عند قوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) في [سورة النساء : ١٦٣] ، وقوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ) في [سورة الأنعام : ٨٤].
وتقدمت ترجمة سليمان عليهالسلام عند قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) في [سورة البقرة : ١٠٢].
(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ)
هذه مزية اختصّ بها داود وهي تسخير الجبال له وهو الذي بينته جملة (يُسَبِّحْنَ) فهي إما بيان لجملة (سَخَّرْنا) أو حال مبينة. وذكرها هنا استطراد وإدماج.
(وَالطَّيْرَ) عطف على (الْجِبالَ) أو مفعول معه ، أي مع الطير يعني طير الجبال.
و (مَعَ) ظرف متعلق بفعل (يُسَبِّحْنَ) ، وقدم على متعلّقه للاهتمام به لإظهار كرامة داود ، فيكون المعنى : أن داود كان إذا سبح بين الجبال سمع الجبال تسبّح مثل تسبيحه. وهذا معنى التأويب في قوله في الآية الأخرى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] إذ التأويب الترجيع ، مشتق من الأوب وهو الرجوع. وكذلك الطير إذا سمعت تسبيحه تغرّد تغريدا مثل تسبيحه وتلك كلها معجزة له. ويتعين أن يكون هذا التسخير حاصلا له بعد أن أوتي النبوءة كما يقتضيه سياق تعداده في عداد ما أوتيه الأنبياء من دلائل الكرامة على الله ، ولا يعرف لداود بعد أن أوتي النبوءة مزاولة صعود الجبال ولا الرعي فيها وقد كان من