وانتصب (رَحْمَةً) على المفعول لأجله. ووصفت الرحمة بأنها من عند الله تنويها بشأنها بذكر العندية الدالة على القرب المراد به التفضيل. والمراد رحمة بأيوب إذ قال (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
والذكرى : التذكير بما هو مظنة أن ينسى أو يغفل عنه. وهو معطوف على (رَحْمَةً) فهو مفعول لأجله ، أي وتنبيها للعابدين بأن الله لا يترك عنايته بهم.
وبما في (الْعابِدِينَ) من العموم صارت الجملة تذييلا.
[٨٥ ، ٨٦] (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦))
عطف على (وَأَيُّوبَ) [الأنبياء : ٨٣] أي وآتينا إسماعيل وإدريس وذا الكفل حكما وعلما.
وجمع هؤلاء الثلاثة في سلك واحد لاشتراكهم في خصيصية الصبر كما أشار إليه قوله تعالى (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ). جرى ذلك لمناسبة ذكر المثل الأشهر في الصبر وهو أيوب.
فأما صبر إسماعيل ـ عليهالسلام ـ فقد تقرّر بصبره على الرضى بالذبح حين قال له إبراهيم : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) فقال : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات : ١٠٢] ، وتقرر بسكناه بواد غير ذي زرع امتثالا لأمر أبيه المتلقى من الله تعالى ، وتقدمت ترجمة إسماعيل في سورة البقرة.
وأما إدريس فهو اسم (أخنوخ) على أرجح الأقوال. وقد ذكر أخنوخ في التوراة في سفر التكوين جدّا لنوح. وتقدمت ترجمته في سورة مريم ووصف هنالك بأنه صدّيق نبيء وقد وصفه الله تعالى هنا فليعدّ في صف الصابرين. والظاهر أن صبره كان على تتبع الحكمة والعلوم وما لقي في رحلاته من المتاعب. وقد عدت من صبره قصص ، منها أنه كان يترك الطعام والنوم مدة طويلة لتصفو نفسه للاهتداء إلى الحكمة والعلم.
وأما ذو الكفل فهو نبيء اختلف في تعيينه ، فقيل هو إلياس المسمّى في كتب اليهود (إيليا).
وقيل : هو خليفة اليسع في نبوءة بني إسرائيل. والظاهر أنه (عوبديا) الذي له كتاب