في قوله في [سورة يوسف : ١١٠] (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ). ووجّه أبو علي هذا الرسم بأن النون الثانية لما كانت ساكنة وكان وقوع الجيم بعدها يقتضي إخفاءها لأن النون الساكنة تخفى مع الأحرف الشجرية وهي ـ الجيم والشين والضاد ـ فلما أخفيت حذفت في النطق فشابه إخفاؤها حالة الإدغام فحذفها كاتب المصحف في الخطّ لخفاء النطق بها في اللفظ ، أي كما حذفوا نون (إن) مع (لا) في نحو «إلا فعلوه» من حيث إنها تدغم في اللام.
وقرأ جمهور القراء بإثبات النونين في النطق فيكون حذف إحدى النونين في الخط مجرد تنبيه على اعتبار من اعتبارات الأداء. وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ـ بنون واحدة وبتشديد الجيم ـ على اعتبار إدغام النون في الجيم كما تدغم في اللام والراء. وأنكر ذلك عليهما أبو حاتم والزجّاج وقالا : هو لحن. ووجّه أبو عبيد والفراء وثعلب قراءتهما بأن (نُنْجِي) سكنت ياؤه ولم تحرك على لغة من يقول بقي ورضي فيسكن الياء كما في قراءة الحسن (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٨] بتسكين ياء (بَقِيَ). وعن أبي عبيد والقتبي أن النون الثانية أدغمت في الجيم.
ووجّه ابن جني متابعا للأخفش الصغير بأن أصل هذه القراءة : ننجّي ـ بفتح النون الثانية وتشديد الجيم ـ فحذفت النون الثانية لتوالي المثلين فصار نجي. وعن بعض النحاة تأويل هذه القراءة بأن نجّي فعل مضي مبني للنائب وأن نائب الفاعل ضمير يعود إلى النجاء المأخوذ من الفعل ، أو المأخوذ من اسم الإشارة في قوله (وَكَذلِكَ).
وانتصب (الْمُؤْمِنِينَ) على المفعول به على رأي من يجوز إنابة المصدر مع وجود المفعول به. كما في قراءة أبي جعفر (لِيَجْزِيَ) ـ بفتح الزاي ـ (قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤] بتقدير ليجزى الجزاء قوما. وقال الزمخشري في «الكشاف» : إن هذا التوجيه بارد التعسف.
[٨٩ ، ٩٠] (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠))
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ)
كان أمر زكرياء الذي أشار إليه قوله : (إِذْ نادى رَبَّهُ) آية من آيات الله في عنايته