بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧] فقال ابن عباس : أما قوله (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) فهو في النفخة الأولى فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ا ه. يريد اختلاف الزمان وهو قريب مما قلناه.
وذكر من (ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) في هذه الآية إدماج للتنويه بالمؤمنين وتهديد المشركين لأن المشركين لا يجدون في موازين الأعمال الصالحة شيئا ، قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣]. وتقدم الكلام على نظير قوله (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) في أول سورة الأعراف [٨].
والخسارة : نقصان مال التجارة وتقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في سورة الأنعام [١٢] ، وقوله (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في أول الأعراف [٩]. وهي هنا تمثيل لحال خيبتهم فيما كانوا يأملونه من شفاعة أصنامهم وأن لهم النجاة في الآخرة أو من أنهم غير صائرين إلى البعث ، فكذبوا بما جاء به الإسلام وحسبوا أنهم قد أعدوا لأنفسهم الخير فوجدوا ضده فكانت نفوسهم مخسورة كأنها تلفت منهم. ولذلك نصب (أَنْفُسَهُمْ) على المفعول ب (خَسِرُوا). واسما الإشارة لزيادة تمييز الفريقين بصفاتهم.
وجملة (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) في موضع الحال من (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ). ومعنى (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تحرق. واللفح : شدة إصابة النار.
والكالح : الذي به الكلوح وهو تقلص الشفتين وظهور الأسنان من أثر تقطب أعصاب الوجه عند شدة الألم.
[١٠٥ ـ ١٠٧] (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧))
جملة (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) مقول قول محذوف ، أي يقال لهم يومئذ. وهذا تعرض لبعض ما يجري يومئذ. والآيات : آيات القرآن بقرينة قوله (تُتْلى عَلَيْكُمْ) وقوله (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) حملا على ظاهر اللفظ.
والتلاوة : القراءة. وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) في البقرة [١٠٢] ، وقوله : (إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) في سورة