الأنفال [٢]. والاستفهام إنكار.
والغلب حقيقته : الاستيلاء والقهر. وأطلق هنا على التلبس بالشقوة دون التلبس بالسعادة. ومفعول (غَلَبَتْ) محذوف يدل عليه (شِقْوَتُنا) لأن الشقوة تقابلها السعادة ، أي غلبت شقوتنا السعادة. والمجرور ب (على) بعد مادة الغلب هو الشيء المتغالب عليه كما في الحديث «قال النساء : غلبنا عليك الرجال». مثّلت حالة اختيارهم لأسباب الشقوة بدل أسباب السعادة بحالة غائرة بين السعادة والشقاوة على نفوسهم. وإضافة الشقوة إلى ضميرهم لاختصاصها بهم حين صارت غالبة عليهم.
والشّقوة بكسر الشين وسكون القاف في قراءة الجمهور. وهي زنة الهيئة من الشقاء. وقرأ حمزة والكسائي وخلف شقاوتنا بفتح الشين وبألف بعد القاف وهو مصدر على صيغة الفعالة مثل الجزالة والسذاجة. وزيادة قوله (قَوْماً) على أن الضلالة من شيمتهم وبها قوام قوميتهم كما تقدم عند قوله (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤] وعند قوله (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) في آخر سورة يونس [١٠١].
وهم ظنوا أنهم إن أخرجوا من النار رجعوا إلى الإيمان والعمل الصالح فالتزموا لله بأنهم لا يعودون إلى الكفر والتكذيب.
وحذف متعلق (عُدْنا) لظهوره من المقام إذ كان إلقاؤهم في النار لأجل الإشراك والتكذيب كما دل عليه قولهم (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ).
والظلم في (فَإِنَّا ظالِمُونَ) هو تجاوز العدل ، والمراد ظلم آخر بعد ظلمهم الأول وهو الذي ينقطع عنده سؤال العفو.
[١٠٨ ـ ١١١] (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١))
(اخْسَؤُا) زجر وشتم بأنهم خاسئون ، ومعناه عدم استجابة طلبهم. وفعل خسأ من باب منع ومعناه ذل. ونهوا عن خطاب الله والمقصود تأييسهم من النجاة مما هم فيه.
وجملة (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) إلى آخرها استئناف قصد منه إغاظتهم بمقابلة حالهم يوم العذاب بحال الذين أنعم الله عليهم ، وتحسيرهم على ما كانوا يعاملون به