وقوله : (بِما صَبَرُوا) إدماج للتنويه بالصبر ، والتنبيه على أن سخريتهم بهم كانت سببا في صبرهم الذي أكسبهم الجزاء. وفي ذلك زيادة تلهيف للمخاطبين بأن كانوا هم السبب في ضر أنفسهم ونفع من كانوا يعدّونهم أعداءهم.
[١١٢ ـ ١١٤] (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤))
قرأ الجمهور : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) بصيغة الماضي فيتعين أن هذا القول يقع عند النفخ في الصور وحياة الأموات من الأرض ، فالأظهر أن يكون هو جواب (إذا) في قوله فيما سبق (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) [المؤمنون : ١٠١]. والتقدير : قال الله لهم إذا نفخ في الصور. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. وما بينهما اعتراضات نشأت بالتفريع والعطف والحال والمقاولات العارضة في خلال ذلك كما علمته مما تقدم في تفسير تلك الآي. وليس من المناسب أن يكون هذا القول حاصلا بعد دخول الكافرين النار ، والمفسرون الذين حملوه على ذلك تكلفوا ما لا يناسب انتظام المعاني.
وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي قل بصيغة الأمر. والخطاب للملك الموكل بإحياء الأموات.
وجملة : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) تفريع على جملة : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لما تضمنته من ترددهم في تقدير مدة لبثهم في الأرض. وأرى في تفسير ذلك أنهم جاءوا في كلامهم بما كان معتادهم في حياتهم في الدنيا من عدم ضبط حساب السنين إذ كان علم موافقة السنين القمرية للسنين الشمسية تقوم به بنو كنانة الذين بيدهم النسيء ويلقبون بالنسأة ، قال الكناني :
ونحن الناسئون على معدّ |
|
شهور الحل نجعلها حراما |
والمفسرون جعلوا المراد من العادّين الملائكة أو الناس الذين يتذكرون حساب مدة المكث. ولكن القرطبي قال : أي سل الحسّاب الذين يعرفون ذلك فإنا نسيناه.
وقوله : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) قرأه الجمهور كما قرءوا الذي قبله فهو حكاية للمحاورة فلذلك لم يعطف فعل (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) وهي طريقة حكاية المحاورات كما في قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠]. وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي بصيغة الأمر كالذي قبله.