مبتدئه كما قال الرضي : يعني أن العرب استعملوها بمفعولين كراهية لجعل المصدر مفعولا به كأنهم تجنبوا اللبس بين المفعول به والمفعول المطلق ، وهذا كما استعملوا أفعال الكون مسندة إلى اسم الذوات ثم أتوا بعد اسم الذات باسم وصفها ولم يأتوا باسم الوصف من أول وهلة ولذلك إذا أوقعوا بعدها حرف المصدر اكتفوا به عن المفعولين ، ولم يسمع عنهم أنهم نصبوا بها مصدرا صريحا. فإذا وقع مفعول أفعال الظن اسم معنى وهو المصدر الصريح أو المنسبك وحذف الفائدة فاجتزأت بالمصدر كقوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٠].
وحيث كانت (أنما) مركبة من (أن) المفتوحة الهمزة ومن (ما) الكافة فوقوعها بعد فعل الحساب بمنزلة وقوع المصدر ، ولو لا (أن) لكان الكلام : أحسبتمونا خالقينكم عبثا.
وانتصب (عَبَثاً) على الحال من ضمير الجلالة مؤولا باسم الفاعل. والعبث : العمل الذي لا فائدة فيه. وكلما تضاءلت الفائدة كان لها حكم العدم فلو لم يكن خلق البشر في هذه الحياة مرتبا عليه مجازاة الفاعلين على أفعالهم لكان خالقه قد أتى في فعله بشيء عديم الفائدة فكان فيه حظ من العبث.
وبيان كونه عبثا أنه لو خلق الخلق فأحسن المحسن وأساء المسيء ولم يلق كل جزاءه لكان ذلك إضاعة لحق المحسن وإغضاء عما حصل من فساد المسيء فكان ذلك تسليطا للعبث. وليس معنى الحال أن يكون عاملها غير مفارق لمدلولها بل يكفي حصول معناها في بعض أكوان عاملها.
وأما قوله : (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) فهم قد حسبوا ذلك حقيقة بلا تنزيل وهذا من تمام الإنكار.
وقرأ الجمهور : (تُرْجَعُونَ) بضم التاء وفتح الجيم ، أي أن الله يرجعهم قهرا. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بفتح التاء وكسر الجيم ، أي يرجعون طوعا أو كرها.
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦))
تفرع على ما تقدم بيانه من دلائل الوحدانية والقدرة والحكمة ظهور أن الله هو الملك الذي ليس في اتصافه بالملك شائبة من معنى الملك. فملكه الملك الكامل في حقيقته. الشامل في نفاذه.