حرف العطف عنه لإظهار مزيد العناية بها.
والوجه أن جملة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) مرتبطة بجملة : (أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) لأن الآيات بهذا المعنى مظنة التذكر ، أي دلائل مظنة لحصول تذكركم. فحصل بهذا الرجاء وصف آخر للسورة هو أنها مبعث تذكر وعظة. والتذكر : خطور ما كان منسيا بالذهن وهو هنا مستعار لاكتساب العلم من أدلته اليقينية بجعله كالعلم الحاصل من قبل فنسيه الذهن ، أي العلم الذي شأنه أن يكون معلوما ، فشبه جهله بالنسيان وشبه علمه بالتذكر.
وقرأ الجمهور : (تَذَكَّرُونَ) بتشديد الذال وأصله تتذكرون فأدغم. وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف تذكرون بتخفيف الذال فحذفت إحدى التاءين اختصارا.
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢))
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ).
ابتداء كلام وهو كالعنوان والترجمة في التبويب فلذلك أتي بعده بالفاء المؤذنة بأن ما بعدها في قوة الجواب وأن ما قبلها في قوة الشرط. فالتقدير : الزانية والزاني مما أنزلت له هذه السورة وفرضت. ولما كان هذا يستدعي استشراف السامع كان الكلام في قوة : إن أردتم حكمهما فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. وهكذا شأن هذه الفاء كلما جاءت بعد ما هو في صورة المبتدأ فإنما يكون ذلك المبتدأ في معنى ما للسامع رغبة في استعلام حاله كقول الشاعر ، وهو من شواهد «كتاب سيبويه» التي لم يعرف قائلها :
وقائلة : خولان فانكح فتاتهم |
|
وأكرومة الحيين خلو كما هيا |
التقدير : هذه خولان ، أو خولان مما يرغب في صهرها فانكح فتاتهم إن رغبت. ومن صرفوا ذهنهم عن هذه الدقائق في الاستعمال قالوا الفاء زائدة في الخبر. وتقدم زيادة الفاء في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) في سورة العقود [٣٨].
وصيغتا (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) صيغة اسم فاعل وهو هنا مستعمل في أصل معناه وهو اتصاف صاحبه بمعنى مادته فلذلك يعتبر بمنزلة الفعل المضارع في الدلالة على الاتصاف بالحدث في زمن الحال ، فكأنه قيل : التي تزني والذي يزني فاجلدوا كل واحد منهما إلخ. ويؤيد ذلك الأمر بجلد كل واحد منهما فإن الجلد يترتب على التلبس بسببه.