وقد ثبت بالسنة أيضا تغريب الزاني بعد جلده تغريب سنة كاملة ، ولا تغريب على المرأة. وليس التغريب عند أبي حنيفة بمتعين ولكنه لاجتهاد الإمام إن رأى تغريبه لدعارته. وصفة الرجم والجلد وآلتهما مبينة في كتب الفقه ولا يتوقف معنى الآية على ذكرها.
(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
عطف على جملة (فَاجْلِدُوا) ؛ فلما كان الجلد موجعا وكان المباشر له قد يرق على المجلود من وجعه نهي المسلمون أن تأخذهم رأفة بالزانية والزاني فيتركوا الحد أو ينقصوه.
والأخذ : حقيقته الاستيلاء. وهو هنا مستعار لشدة تأثير الرأفة على المخاطبين وامتلاكها إرادتهم بحيث يضعفون عن إقامة الحد فيكون كقوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) [البقرة : ٢٠٦] فهو مستعمل في قوة ملابسة الوصف للموصوف.
و (بِهِما) يجوز أن يتعلق ب (رَأْفَةٌ) فالباء للمصاحبة لأن معنى الأخذ هنا حدوث الوصف عند مشاهدتهما. ويجوز تعليقه ب (تَأْخُذْكُمْ) فتكون الباء للسببية ، أي أخذ الرأفة بسببهما أي بسبب جلدهما.
وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بذكر الزاني والزانية تنبيها على الاعتناء بإقامة الحد. والنهي عن أن تأخذهم رأفة كناية عن النهي عن أثر ذلك وهو ترك الحد أو نقصه. وأما الرأفة فتقع في النفس بدون اختيار فلا يتعلق بها النهي ؛ فعلى المسلم أن يروض نفسه على دفع الرأفة في المواضع المذمومة فيها الرأفة.
والرأفة : رحمة خاصة تنشأ عند مشاهدة ضرّ بالمرءوف. وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) في سورة البقرة [١٤٣]. ويجوز سكون الهمزة وبذلك قرأ الجمهور. ويجوز فتحها وبالفتح قرأ ابن كثير.
وعلق بالرأفة قوله : (فِي دِينِ اللهِ) لإفادة أنها رأفة غير محمودة لأنها تعطل دين الله، أي أحكامه ، وإنما شرع الله الحد استصلاحا فكانت الرأفة في إقامته فسادا. وفيه تعريض بأن الله الذي شرع الحد هو أرأف بعباده من بعضهم ببعض. وفي «مسند أبي يعلى» عن حذيفة مرفوعا : «يؤتى بالذي ضرب فوق الحد فيقول الله له : عبدي لم ضربت فوق الحد؟ فيقول : غضبت لك فيقول الله : أكان غضبك أشد من غضبي؟ ويؤتى بالذي قصّر فيقول : عبدي لم قصرت؟ فيقول : رحمته. فيقول : أكانت رحمتك أشد من رحمتي.