الحد ثابت قبل نزول الآية بحسب ظاهر ترتيب الآي في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ) [النور : ٤] الآية لجواز أنه لم تحدث قضية قذف فيما بين نزول تلك الآية ونزول هذه الآية ، أو حدثت قضية عويمر العجلاني ولم يعلم بها أصحاب الإفك ، أو حسبوه هيّنا لغفلتهم عما تقدم من حكم الحد إذ كان العهد به حديثا. وفيه من أدب الشريعة أن احترام القوانين الشرعية يجب أن يكون سواء في الغيبة والحضرة والسرّ والعلانية.
ومعنى : (عِنْدَ اللهِ) في علم الله مما شرعه لكم من الحكم كما تقدم آنفا في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) [النور : ١٣].
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦))
عطف على جملة : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ) [النور : ١٢] إلخ. وأعيدت (لو لا) وشرطها وجوابها لزيادة الاهتمام بالجملة فلذلك لم يعطف (قُلْتُمْ) الذي في هذه الجملة على (قُلْتُمْ) الذي في الجملة قبلها لقصد أن يكون صريحا في عطف الجمل.
وتقديم الظرف وهو (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) على عامله وهو (قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا) كتقديم نظيره في قوله : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ) [النور : ١٢] إلخ وهو الاهتمام بمدلول الظرف.
وضمير (سَمِعْتُمُوهُ) عائد إلى الإفك مثل الضمائر المماثلة له في الآيات السابقة.
واسم الإشارة عائد إلى الإفك بما يشتمل عليه من الاختلاق الذي يتحدث به المنافقون والضعفاء ، فالإشارة إلى ما هو حاضر في كل مجلس من مجالس سماع الإفك.
ومعنى (قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا) أن يقولوا للذين أخبروهم بهذا الخبر الآفك. أي قلتم لهم زجرا وموعظة.
وضمير (لَنا) مراد به القائلون والمخاطبون. فأما المخاطبون فلأنهم تكلموا به حين حدثوهم بخبر الإفك. والمعنى : ما يكون لكم أن تتكلموا بهذا ، وأما المتكلمون فلتنزههم من أن يجري ذلك البهتان على ألسنتهم.
وإنما قال : (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) دون أن يقول : ليس لنا أن نتكلم بهذا ،