عن آثار تلك الشهادة فيجاب بأن أثرها أن يجازيهم الله على ما شهدت به أعضاؤهم عليهم. فدينهم جزاؤهم كما في قوله : ملك يوم الدين [الفاتحة : ٤].
و (الْحَقَ) نعت للدين ، أي الجزاء العادل الذي لا ظلم فيه فوصف بالمصدر للمبالغة.
وقوله : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) أي ينكشف للناس أن الله الحق. ووصف الله بأنه (الْحَقَ) وصف بالمصدر لإفادة تحقق اتصافه بالحق ، كقول الخنساء :
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت |
|
فإنما هي إقبال وإدبار |
وصفة الله بأنه (الْحَقَ) بمعنيين :
أولهما : بمعنى الثابت الحاق ، وذلك لأن وجوده واجب فذاته حق متحققة لم يسبق عليها عدم ولا انتفاء فلا يقبل إمكان العدم. وعلى هذا المعنى في اسمه تعالى : (الْحَقَ) اقتصر الغزالي في «شرح الأسماء الحسنى».
وثانيهما : معنى أنه ذو الحق ، أي العدل وهو الذي يناسب وقوع الوصف بعد قوله: (دِينَهُمُ الْحَقَ). وبه فسر صاحب «الكشاف» فيحتمل أنه أراد تفسير معنى الحق هنا ، أي وصف الله بالمصدر وليس مراده تفسير الاسم. ويحتمل إرادة الإخبار عن الله بأنه صاحب هذا الاسم وهذا الذي درج عليه ابن برّجان الإشبيلي (١) في كتابه «شرح الأسماء الحسنى» والقرطبي في «التفسير».
و (الْحَقَ) من أسماء الله الحسنى. ولما وصف بالمصدر زيد وصف المصدر ب (الْمُبِينُ). والمبين : اسم فاعل من أبان الذي يستعمل متعديا بمعنى أظهر على أصل معنى إفادة الهمزة التعدية ، ويستعمل بمعنى بان ، أي ظهر على اعتبار الهمزة زائدة ، فلك أن تجعله وصفا ل (الْحَقَ) بمعنى العدل كما صرح به في «الكشاف» ، أي الحق الواضح.
ولك أن تجعله وصفا لله تعالى بمعنى أن الله مبيّن وهاد. وإلى هذا نحا القرطبي وابن برّجان ، فقد أثبتا في عداد أسمائه تعالى اسم (الْمُبِينُ).
__________________
(١) هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد بن برّجان ـ بموحدة مفتوحة فراء مشددة مفتوحة فجيم مفتوحة فألف مفتوحة فألف فنون ـ الإشبيلي المتوفى سنة / ٥٣٦ / ه. ألف «شرح الأسماء الحسنى» وجمع مائة وثلاثين اسما. وهو شرح على طريقة حكماء الصوفية. توجد منه نسخة وحيدة بتونس.