أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ قالوا : استأذن ثلاثا ثم رجع) فأرسل وراءه فجاء أبو موسى فقال عمر : ما منعك؟ قال قلت : استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت. وقال رسول الله : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع. فقال عمر : والله لتقيمن عليه بينة. قال أبو موسى : أمنكم أحد سمعه من النبي؟ فقال أبيّ بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغرنا فكنت أصغرهم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي قال ذلك. فقال عمر : خفي عليّ هذا من أمر رسول الله ألهاني الصفق بالأسواق.
وقد علم أن الاستئذان يقتضي إذنا ومنعا وسكوتا فإن أذن له فذاك وإن منع بصريح القول فذلك قوله تعالى : (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ). والضمير عائد إلى الرجوع المفهوم من (ارْجِعُوا) كقوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].
ومعنى (أَزْكى لَكُمْ) أنه أفضل وخير لكم من أن يأذنوا على كراهية. وفي هذا أدب عظيم وهو تعليم الصراحة بالحق دون المواربة ما لم يكن فيه أذى. وتعليم قبول الحق لأنه أطمن لنفس قابله من تلقي ما لا يدري أهو حق أم مواربة ، ولو اعتاد الناس التصارح بالحق بينهم لزالت عنهم ظنون السوء بأنفسهم.
وأما السكوت فهو ما بيّن حكمه حديث أبي موسى. وفعل (تُسَلِّمُوا) معناه تقولوا : السلام عليكم ، فهو من الأفعال المشتقة من حكاية الأقوال الواقعة في الجمل مثل : رحّب وأهّل ، إذا قال : مرحبا وأهلا ، وحيّا ، إذا قال : حيّاك الله ، وجزّأ إذ قال له : جزاك الله خيرا. وسهّل ، إذا قال : سهلا ، أي حللت سهلا. قال البعيث بن حريث :
فقلت لها أهلا وسهلا ومرحبا |
|
فردت بتأهيل وسهل ومرحب |
وفي الحديث : «تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين». وهي قريبة من النحت مثل : بسمل ، إذا قال : باسم الله ، وحسبل ، إذا قال : حسبنا الله.
و (عَلى أَهْلِها) يتعلق ب (تُسَلِّمُوا) لأنه أصله من بقية الجملة التي صيغ منها الفعل التي أصلها : السلام عليكم ، كما يعدى رحّب به ، إذا قال : مرحبا بك ، وكذلك أهّل به وسهّل به. ومنه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦].
وصيغة التسليم هي : السلام عليكم. وقد علمها النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه ، ونهى أبا جزي الهجيمي عن أن يقول : عليك السلام. وقال له : إن عليك السلام تحية الميت ثلاثا ، أي