النساء من الخلاخل قال : «ما هذا الذي جاء فيه الحديث وتركه أحب إليّ من غير تحريم». قال ابن رشد في «شرحه» : أراد أن الذي يحرم إنما هو أن يقصدن في مشيهن إلى إسماع قعقعة الخلاخل إظهارا بهن من زينتهن.
وهذا يقتضي النهي عن كل ما من شأنه أن يذكّر الرجل بلهو النساء ويثير منه إليهن من كل ما يرى أو يسمع من زينة أو حركة كالتثني والغناء وكلم الغزل. ومن ذلك رقص النساء في مجالس الرجال ومن ذلك التلطخ بالطيب الذي يغلب عبيقه. وقد أومأ إلى علة ذلك قوله تعالى : (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) ولعن النبي صلىاللهعليهوسلم المستوشمات والمتفلجات للحسن.
قال مكي بن أبي طالب ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه الآية جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع وسماها أبو بكر ابن العربي : آية الضمائر.
(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أعقبت الأوامر والنواهي الموجهة إلى المؤمنين والمؤمنات بأمر جميعهم بالتوبة إلى الله إيماء إلى أن فيما أمروا به ونهوا عنه دفاعا لداع تدعو إليه الجبلة البشرية من الاستحسان والشهوة فيصدر ذلك عن الإنسان عن غفلة ثم يتغلغل هو فيه فأمروا بالتوبة ليحاسبوا أنفسهم على ما يفلت منهم من ذلك اللمم المؤدي إلى ما هو أعظم.
والجملة معطوفة على جملة : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) [النور : ٣٠]. ووقع التفات من خطاب الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى خطاب الأمة لأن هذا تذكير بواجب التوبة المقررة من قبل وليس استئناف تشريع.
ونبه بقوله : (جَمِيعاً) على أن المخاطبين هم المؤمنون والمؤمنات وإن كان الخطاب ورد بضمير التذكير على التغليب ، وأن يؤملوا الفلاح إن هم تابوا وأنابوا.
وتقدم الكلام على التوبة في سورة النساء [١٧] عند قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ).
وكتب في المصحف أيه بهاء في آخره اعتبارا بسقوط الألف في حال الوصل مع كلمة (الْمُؤْمِنُونَ). فقرأها الجمهور بفتح الهاء بدون ألف في الوصل. وقرأها أبو عامر بضم الهاء اتباعا لحركة (أيّ). ووقف عليها أبو عمرو والكسائي بألف في آخرها. ووقف الباقون عليها بسكون الهاء على اعتبار ما رسمت به.