(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢))
أردفت أوامر العفاف بالإرشاد إلى ما يعين عليه ، ويعف نفوس المؤمنين والمؤمنات ، ويغض من أبصارهم ، فأمر الأولياء بأن يزوجوا أياماهم ولا يتركوهن متأيمات لأن ذلك أعف لهن وللرجال الذين يتزوجونهن. وأمر السادة بتزويج عبيدهم وإمائهم. وهذا وسيلة لإبطال البغاء كما سيتبع به في آخر الآية.
والأيامى : جمع أيم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة بوزن فيعل وهي المرأة التي لا زوج لها كانت ثيبا أم بكرا. والشائع إطلاق الأيم على التي كانت ذات زوج ثم خلت عنه بفراق أو موته ، وأما إطلاقه على البكر التي لا زوج لها فغير شائع فيحمل على أنه مجاز كثر استعماله. والأيم في الأصل من أوصاف النساء قاله أبو عمرو والكسائي ولذلك لم تقترن به هاء التأنيث فلا يقال : امرأة أيّمة. واطلاق الأيم على الرجل الخلي عن امرأة إما لمشاكلة أو تشبيه ، وبعض أئمة اللغة كأبي عبيد والنضر بن شميل يجعل الأيم مشتركا للمرأة والرجل وعليه درج في «الكشاف» و «القاموس».
ووزن أيامى عند الزمخشري أفاعل لأنه جمع أيم بوزن فيعل ، وفيعل لا يجمع على فعالى. فأصل أيامى أيائم فوقع فيه قلب مكاني قدمت الميم للتخلص من ثقل الياء بعد حرف المد ، وفتحت الميم للتخفيف فقلبت الياء ألفا. وعند ابن مالك وجماعة : وزنه فعالى على غير قياس وهو ظاهر كلام سيبويه.
و (الْأَيامى) صيغة عموم لأنه جمع معرف باللام فتشمل البغايا. أمر أولياؤهن بتزويجهن فكان هذا العموم ناسخا لقوله تعالى : (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣] فقد قال جمهور الفقهاء : إن هذه ناسخة للآية التي تقدمت وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. ونقل القول بأن التي قبلها محكمة عن غير معين. وزوج أبو بكر امرأة من رجل زنى بها لما شكاه أبوها.
ومعنى التبعيض في قوله (مِنْكُمْ) أنهن من المسلمات لأن غير المسلمات لا يخلون عند المسلمين من أن يكن أزواجا لبعض المسلمين فلا علاقة للآية بهن ، أو أن يكن مملوكات فهن داخلات في قوله : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) على الاحتمالات الآتية في معنى (الصَّالِحِينَ) وأما غيرهن فولايتهن لأهل ملتهن.