حكم متعلق بالمستقبل لأنه مضارع في حيّز الشرط ، وهو صريح في أنه عفو عن إكراه.
والذي يشتمل عليه الخبر جانبان : جانب المكرهين وجانب المكرهات (بفتح الراء) ، فأما جانب المكرهين فلا يخطر بالبال أن الله غفور رحيم لهم بعد أن نهاهم عن الإكراه إذ ليس لمثل هذا التبشير نظير في القرآن.
وأما الإماء المكرهات فإن الله غفور رحيم لهن. وقد قرأ بهذا المقدر عبد الله بن مسعود وابن عباس فيما يروى عنهما وعن الحسن أنه كان يقول : «غفور رحيم لهن والله لهن والله». وجعلوا فائدة هذا الخبر أن الله عذر المكرهات لأجل الإكراه ، وأنه من قبيل قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٧٣]. وعلى هذا فهو تعريض بالوعيد للذين يكرهون الإماء على البغاء.
ومن المفسرين من قدر المحذوف ضمير (من) الشرطية ، أي غفور رحيم له ، وتأولوا ذلك بأنه بعد أن يقلع ويتوب وهو تأويل بعيد.
وقوله : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) دليل جواب الشرط إذ حذف الجواب إيجازا واستغني عن ذكره بذكر علته التي تشمله وغيره. والتقدير : فلا إثم عليهن فإن الله غفور رحيم لأمثالهن ممن أكره على فعل جريمة. والفاء رابطة الجواب.
وحرف (إنّ) في هذا المقام يفيد التعليل ويغني غناء لام التعليل.
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤))
ذيّلت الأحكام والمواعظ التي سبقت بإثبات نفعها وجدواها لما اشتملت عليه مما ينفع الناس ويقيم عمود جماعتهم ويميز الحق من الباطل ويزيل من الأذهان اشتباه الصواب بالخطإ فيعلم الناس طرق النظر الصائب والتفكير الصحيح ، وذلك تنبيه لما تستحقه من التدبر فيها ولنعمة الله على الأمة بإنزالها ليشكروا الله حق شكره.
ووصف هذه الآيات المنزلة بثلاث صفات كما وصف السورة في طالعتها بثلاث صفات. والمقصد من الأوصاف في الموضعين هو الامتنان فكان هذا يشبه رد العجز على الصدر ، فجملة : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) مستأنفة استئناف التذييل وكان مقتضى