مشترك استعمل في معنى وتارة أخرى في معنى آخر.
فأحسن ما يفسر به قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أن الله موجد كل ما يعبر عنه بالنور وخاصة أسباب المعرفة الحق والحجة القائمة والمرشد إلى الأعمال الصالحة التي بها حسن العاقبة في العالمين العلوي والسفلي ، وهو من استعمال المشترك في معانيه.
ويجوز أن يراد بالسماوات والأرض من فيهما من باب : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف: ٨٢] وهو أبلغ من ذكر المضاف المحذوف لأن في هذا الحذف إيهام أن السماوات والأرض قابلة لهذا النور كما أن القرية نفسها تشهد بما يسأل منها ، وذلك أبلغ في الدلالة على الإحاطة بالمقصود وألطف دلالة. فيشمل تلقين العقيدة الحق والهداية إلى الصلاح ؛ فأما هداية البشر إلى الخير والصلاح فظاهرة ، وأما هداية الملائكة إلى ذلك فبأن خلقهم الله على فطرة الصلاح والخير. وبأن أمرهم بتسخير القوى للخير ، وبأن أمر بعضهم بإبلاغ الهدى بتبليغ الشرائع وإلهام القلوب الصالحة إلى الصلاح وكانت تلك مظاهر هدى لهم وبهم.
(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ).
يظهر أن هذه الجملة بيان لجملة : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) [النور : ٣٤] إذ كان ينطوي في معنى (آياتٍ) ووصفها ب (مُبَيِّناتٍ) ما يستشرف إليه السامع من بيان لما هي الآيات وما هو تبيينها ، فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا. ووقعت جملة : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معترضة بين هذه الجملة والتي قبلها تمهيدا لعظمة هذا النور الممثل بالمشكاة.
وجرى كلام كثير من المفسرين على ما يقتضي أنها بيان لجملة : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيكون موقعها موقع عطف البيان فلذلك فصلت فلم تعطف.
والضمير في قوله : (نُورِهِ) عائد إلى اسم الجلالة ، أي مثل نور الله. والمراد ب (نُورِهِ) كتابه أو الدين الذي اختاره ، أي مثله في إنارة عقول المهتدين.
فالكلام تمثيل لهيئة إرشاد الله المؤمنين بهيئة المصباح الذي حفّت به وسائل قوة الإشراق فهو نور الله لا محالة. وإنما أوثر تشبيهه بالمصباح الموصوف بما معه من