مضاف ، أي يخافون أهواله.
وتقلّب القلوب والأبصار : اضطرابها عن مواضعها من الخوف والوجل كما يتقلب المرء في مكانه. وقد تقدم في قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) في سورة الأنعام [١١٠]. والمقصود من خوفه : العمل لما فيه الفلاح يومئذ كما يدل عليه قوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا).
ويتعلق قوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) ب (يَخافُونَ) ، أي كان خوفهم سببا للجزاء على أعمالهم الناشئة عن ذلك الخوف.
والزيادة : من فضله هي زيادة أجر الرهبان إن آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم حينما تبلغهم دعوته لما في الحديث الصحيح : «أن لهم أجرين» ، أو هي زيادة فضل الصلاة في المساجد إن كان المراد بالبيوت مساجد الإسلام.
وجملة : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تذييل لجملة : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ). وقد حصل التذييل لما في قوله : (مَنْ يَشاءُ) من العموم ، أي وهم ممن يشاء الله لهم الزيادة.
والحساب هنا بمعنى التحديد كما في قوله : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) في سورة آل عمران [٣٧]. وأما قوله : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) [النبأ : ٣٦] فهو بمعنى التعيين والإعداد للاهتمام بهم.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩))
لمّا جرى ذكر أعمال المتقين من المؤمنين وجزائهم عليها بقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) إلى قوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [النور : ٣٦ ـ ٣٨] أعقب ذلك بضده من حال أعمال الكافرين التي يحسبونها قربات عند الله تعالى وما هي بمغنية عنهم شيئا على عادة القرآن في إرداف البشارة بالنذارة ، وعكس ذلك كقوله : (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ) [آل عمران : ١٩٧ ، ١٩٨] إلخ فعطف حال أعمال الكافرين عطف القصة على القصة. ولعل المشركين كانوا إذا سمعوا ما وعد الله به المؤمنين من الجزاء على الأعمال الصالحة يقولون : ونحن نعمر المسجد الحرام ونطوف ونطعم المسكين