ونسقي الحاج ونقري الضيف. كما أشار إليه قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٩] يعدون أعمالا من أفعال الخير فكانت هذه الآيات إبطالا لحسبانهم ، قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] وقد أعلمناك أن هذه السورة نزل أكثرها عقب الهجرة وذلك حين كان المشركون يتعقبون أخبار المسلمين في مهاجرهم ويتحسسون ما نزل من القرآن.
والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ وخبره جملة : (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) إلخ. وجعل المسند إليه ما يدل على ذوات الكافرين ثم بني عليه مسند إليه آخر وهو (أَعْمالُهُمْ). ولم يجعل المسند إليه أعمال الذين كفروا من أول وهلة لما في الافتتاح بذكر الذين كفروا من التشويق إلى معرفة ما سيذكر من شئونهم ليتقرر في النفس كمال التقرر وليظهر أن للذين كفروا حظا في التمثيل بحيث لا يكون المشبه أعمالهم خاصة.
وفي الإتيان بالموصول وصلته إيماء إلى وجه بناء الخبر. وهو أنه من جزاء كفرهم بالله. على أنه قد يكون عنوان الذين كفروا قد غلب على المشركين من أهل مكة فيكون افتتاح الكلام بهذا الوصف إشارة إلى أنه إبطال لشيء اعتقده الذين كفروا. فتشبيه الكافرين وأعمالهم تشبيه تمثيلي : شبهت حالة كدهم في الأعمال وحرصهم على الاستكثار منها مع ظنهم أنها تقربهم إلى رضى الله ثم تبيّن أنها لا تجديهم بل يلقون العذاب في وقت ظنهم الفوز : شبه ذلك بحالة ظمئان يرى السراب فيحسبه ماء فيسعى إليه فإذا بلغ المسافة التي خال أنها موقع الماء لم يجد ماء ووجد هنالك غريما يأسره ويحاسبه على ما سلف من أعماله السيئة.
واعلم أن الحالة المشبهة مركبة من محسوس ومعقول والحالة المشبه بها حالة محسوسة. أي داخلة تحت إدراك الحواس.
والسراب : رطوبة كثيفة تصعد على الأرض ولا تعلو في الجو تنشأ من بين رطوبة الأرض وحرارة الجو في المناطق الحارة الرملية فيلوح من بعيد كأنه ماء. وسبب حدوث السراب اشتداد حرارة الرمال في أرض مستوية فتشتد حرارة طبقة الهواء الملاصقة للرمل وتحرّ الطبقة الهوائية التي فوقها حرّا أقل من حرارة الطبقة الملاصقة. وهكذا تتناقص الحرارة في كل طبقة من الهواء عن حرارة الطبقة التي دونها. وبذلك تزداد كثافة الهواء بزيادة الارتفاع عن سطح الأرض. وبحرارة الطبقة السفلى التي تلي الأرض تحدث فيها