مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣].
و (إذا) هنا ظرف مجرد عن الشرطية. والمعنى : زمن مجيئه إلى السراب ، أي وصوله إلى الموضع.
وقوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) هو من تمام التمثيل ، أي لم يجد الماء ووجد في مظنة الماء الذي ينتفع به وجد من إن أخذ بناصيته لم يفلته ، أي هو عند ظنه الفوز بمطلوبه فاجأه من يأخذه للعذاب ، وهو معنى قوله : (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) أي أعطاه جزاء كفره وافيا. فمعنى (فَوَفَّاهُ) أنه لا تخفيف فيه ، فهو قد تعب ونصب في العمل فلم يجد جزاء إلا العذاب بمنزلة من ورد الماء للسقي فوجد من له عنده ترة فأخذه.
وجملة : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) تذييل. والسريع : ضد البطيء. والمعنى : أنه لا يماطل الحساب ولا يؤخره عند حلول مقتضيه ، فهو عام في حساب الخير والشر ولذلك كان تذييلا.
واعلم أن هذا التمثل العجيب صالح لتفريق أجزائه في التشبيه بأن ينحل إلى تشبيهات واستعارات. فأعمال الكافرين شبيهة بالسراب في أن لها صورة الماء وليست بماء ، والكافر يشبه الظمآن في الاحتياج إلى الانتفاع بعمله. ففي قوله : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ) استعارة مصرحة ، وخيبة الكافر عند الحساب تشبه خيبة الظمآن عند مجيئه السراب ففيه استعارة مصرحة ، ومفاجأة الكافر بالأخذ والعتل من جند الله أو بتكوين الله تشبه مفاجأة من حسب أنه يبلغ الماء للشراب فبلغ إلى حيث تحقق أنه لا ماء فوجد عند الموضع الذي بلغه من يترصد له لأخذه أو أسره. فهنا استعارة مكنية إذ شبه أمر الله أو ملائكته بالعدوّ ، ورمز إلى العدو بقوله : (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ). وتعدية فعل (وَجَدَ) إلى اسم الجلالة على حذف مضاف هي تعدية المجاز العقلي.
(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠))
شأن (أَوْ) إذا جاءت في عطف التشبيهات أن تدل على تخيير السامع أن يشبه بما قبلها وبما بعدها. وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) في سورة البقرة [١٩] ، أي مع اتحاد وجه الشبه. ومنه قول إمرئ القيس :