قوارع ومصائب.
ومن أجل اختلاف المقامين وضع التعبير هنا ب (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) وهنالك بقوله: (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) لأن في الخطف من معنى النكاية بهم والتسلط عليهم ما ليس في (يَذْهَبُ) إذ هو مجرد الاستلاب.
وأما التعبير هنا (بِالْأَبْصارِ) معرفا باللام فلأن المقصود أن البرق مقارب أن يزيل طائفة من جنس الأبصار إذ اللام هنا لام الحقيقة كما في قوله : (أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) [يوسف : ١٣] وقولهم : ادخل السوق ، لأن الحكم على حالة البرق الشديد من حيث هي. بخلاف آية البقرة فإنها في مقام التوبيخ لهم بأن ما شأنه أن ينتفع الناس به قد أشرف على الضر بهم فلذلك ذكر لفظ أبصار مضافا إلى ضميرهم مع ما في هذا التخالف من تفنين الكلام الواحد على أفانين مختلفة حتى لا يكون الكلام معادا وإن كان المعنى متحدا ولا تجد حق الإيجاز فائتا فإن هذين الكلامين في حد التساوي في الحروف والنطق. وهكذا نرى بلاغة القرآن وإعجازه وحلاوة نظمه.
وقرأ الجمهور (يَذْهَبُ) بفتح التحتية وفتح الهاء ، فالباء للتعدية ، أي يذهب الأبصار. وقرأه أبو جعفر وحده بضم التحتية وكسر الهاء فتكون الباء مزيدة لتأكيد اللصوق مثل (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦].
(يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤))
التقليب تغيير هيئة إلى ضدها ومنه (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) [الكهف :٤٢] أي يدير كفيه من ظاهر إلى باطن ، فتقليب الليل والنهار تغيير الأفق من حالة الليل إلى حالة الضياء ومن حالة النهار إلى حالة الظلام ، فالمقلّب هو الجو بما يختلف عليه من الأعراض ولكن لما كانت حالة ظلمة الجو تسمى ليلا وحالة نوره تسمى نهارا عبر عن الجو في حالتيه بهما ، وعدي التقليب إليهما بهذا الاعتبار.
ومما يدخل في معنى التقليب تغيير هيئة الليل والنهار بالطول والقصر. ولرعي تكرر التقلب بمعنييه عبر بالمضارع المقتضي للتكرر والتجدد.
والكلام استئناف. وجيء به مستأنفا غير معطوف على آيات الاعتبار المذكورة قبله لأنه أريد الانتقال من الاستدلال بما قد يخفى على بعض الأبصار إلى الاستدلال بما يشاهده كل ذي بصر كل يوم وكل شهر فهو لا يكاد يخفى على ذي بصر. وهذا تدرج في