والدابة : ما دبّ على وجه الأرض ، أي مشى. وغلب هنا الإنسان فأتي بضمير العقلاء مرادا به الإنسان وغيره مرتين.
وتنكير (ماءٍ) لإرادة النوعية تنبيها على اختلاف صفات الماء لكل نوع من الدواب إذ المقصود تنبيه الناس إلى اختلاف النطف للزيادة في الاعتبار.
وهذا بخلاف قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] إذ قصد ثمة إلى أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من جنس الماء وهو جنس واحد اختلفت أنواعه ، فتعريف الجنس هناك إشارة إلى ما يعرفه الناس إجمالا ويعهدونه من أن الحيوان كله مخلوق من نطف أصوله. وهذا مناط الفرق بين التنكير كما هنا وبين تعريف الجنس كما في آية (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠].
و (مِنْ) ابتدائية متعلقة ب (خَلَقَ).
ورتب ذكر الأجناس في حال المشي على ترتيب قوة دلالتها على عظم القدرة لأن الماشي بلا آلة مشي متمكنة أعجب من الماشي على رجلين ، وهذا المشي زحفا. أطلق المشي على الزحف بالبطن للمشاكلة مع بقية الأنواع. وليس في الآية ما يقتضي حصر المشي في هذه الأحوال الثلاثة لأن المقصود الاعتبار بالغالب المشاهد.
وجملة : (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) زيادة في العبرة ، أي يتجدد خلق الله ما يشاء أن يخلقه مما علمتم وما لم تعلموا. فهي جملة مستأنفة.
وجملة : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تعليل وتذييل. ووقع فيه إظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار ليكون كلاما مستقلا بذاته لأن شأن التذييل أن يكون كالمثل.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦))
تذييل للدلائل والعبر السالفة وهو نتيجة الاستدلال ولذلك ختم بقوله : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، أي إن لم يهتد بتلك الآيات أهل الضلالة فذلك لأن الله لم يهدهم لأنه يهدي من يشاء. والمراد بالآيات هنا آيات القرآن كما يقتضيه فعل (أَنْزَلْنا) ولذلك لم تعطف هذه الجملة على ما قبلها بعكس قوله السابق (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) [النور : ٣٤].
ولما كان المقصود من هذا إقامة الحجة دون الامتنان لم يقيد إنزال الآيات بأنه إلى