المسلمين كما قيد في قوله تعالى قبله : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) [النور : ٣٤] كما تقدم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب (مُبَيِّناتٍ) بفتح الياء على صيغة اسم المفعول ، أي بيّنها الله ووضحها ببلاغتها وقوة حجتها. وقرأ الباقون بكسر الياء على صيغة اسم الفاعل ، فإسناد التبيين إلى الآيات على هذه القراءة مجاز عقلي لأنها سبب البيان.
والمعنى أن دلائل الحق ظاهرة ولكن الله يقدّر الهداية إلى الحق لمن يشاء هدايته.
[٤٧ ـ ٥٠] (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠))
عطف جملة : (وَيَقُولُونَ) على جملة : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النور : ٤٦] لما تتضمنه جملة : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) من هداية بعض الناس وحرمان بعضهم من الهداية كما هو مقتضى : (مَنْ يَشاءُ). وهذا تخلص إلى ذكر بعض ممن لم يشإ الله هدايتهم وهم الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام وهم أهل النفاق. فبعد أن ذكرت دلائل انفراد الله تعالى بالإلهية وذكر الكفار الصرحاء الذين لم يهتدوا بها في قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) [النور : ٣٩] الآيات تهيأ المقام لذكر صنف آخر من الكافرين الذين لم يهتدوا بآيات الله وأظهروا أنهم اهتدوا بها.
وضمير الجمع عائد إلى معروفين عند السامعين وهم المنافقون لأن ما ذكر بعده هو من أحوالهم ، وعود الضمير إلى شيء غير مذكور كثير في القرآن ، على أنهم قد تقدم ما يشير إليهم بطريق التعريض في قوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) [النور : ٣٧].
وقد أشارت الآية إلى المنافقين عامة ، ثم إلى فريق منهم أظهروا عدم الرضى بحكم الرسول صلىاللهعليهوسلم فكلا الفريقين موسوم بالنفاق ، ولكن أحدهما استمر على النفاق والمواربة وفريقا لم يلبثوا أن أظهروا الرجوع إلى الكفر بمعصية الرسول علنا.