(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١))
استئناف بياني لأن الإخبار عن الذين يعرضون عند ما يدعون إلى الحكومة بأنهم ليسوا بالمؤمنين في حين أنهم يظهرون الإيمان يثير سؤال سائل عن الفاصل الذي يميز بين المؤمن الحق وبين الذي يرائي بإيمانه في حين يدعى إلى الحكومة عند رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فيقتضي أن يبين للسائل الفرق بين الحالين لئلا يلتبس عنده الإيمان المزور بالإيمان الصادق ، فقد كان المنافقون يموهون بأن إعراض من أعرض منهم عن التحاكم عند رسول الله ليس لتزلزل في إيمانه بصدق الرسول ولكنه إعراض لمراعاة أعراض من العلائق الدنيوية كقول بشر : إن الرسول يبغضني. فبيّن الله بطلان ذلك بأن المؤمن لا يرتاب في عدل الرسول وعدم مصانعته.
وقد أفاد هذا الاستئناف أيضا الثناء على المؤمنين الأحقاء بضد ما كان ذما للمنافقين. وذلك من مناسبات هذا الاستئناف على عادة القرآن في إرداف التوبيخ بالترغيب والوعيد بالوعد والنذارة بالبشارة والذم بالثناء.
وجيء بصيغة الحصر ب (إِنَّما) لدفع أن يكون مخالف هذه الحالة في شيء من الإيمان وإن قال بلسانه إنه مؤمن ، فهذا القصر إضافي ، أي هذا قول المؤمنين الصادقين في إيمانهم لا كقول الذين أعرضوا عن حكم الرسول حين قالوا : (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا) [النور : ٤٧] فلما دعوا إلى حكم الرسول عصوا أمره فإن إعراضهم نقيض الطاعة ، وسيأتي بيانه قريبا. وليس قصرا حقيقا لأن أقوال المؤمنين حين يدعون إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ليحكم بينهم غير منحصرة في قول : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ولا في مرادفه ، فلعل منهم من يزيد على ذلك.
وفي «الموطأ» من حديث زيد بن خالد الجهني : «أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال أحدهما : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله (يعني وهو يريد أن رسول الله يقضي له كما وقع التصريح في رواية الليث بن سعد في «البخاري» أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله فقال : أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله). وقال الآخر وهو أفقههما : أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم (يريد لا تقض له علي فأذن لي أن أبين) فقال رسول الله تكلم ..» إلخ.