الأرض. وذلك يقبل الامتداد والانقباض كما كان الحال يوم خروج بلاد الأندلس من حكم الإسلام. ولكن حرمة الأمة واتقاء بأسها ينتشر في المعمورة كلها بحيث يخافهم من عداهم من الأمم في الأرض التي لم تدخل تحت حكمهم ويسعون الجهد في مرضاتهم ومسالمتهم. وهذا استخلاف كامل ولذلك نظّر بتشبيه باستخلاف الذين من قبلهم يعني الأمم التي حكمت معظم العالم وأخافت جميعه مثل الأشوريين والمصريين والفنيقيين واليهود زمن سليمان ، والفرس ، واليونان ، والرومان.
وعن مالك : أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر فيكون موصول الجمع مستعملا في معنى المثنى. وعن الضحاك : هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. ولعل هذا مراد مالك. وعلى هذا فالمراد بالذين من قبلهم صلحاء الملوك مثل : يوسف ، وداود ، وسليمان ، وأنوشروان ، وأصحمة النجاشي ، وملكي صادق الذي كان في زمن إبراهيم ويدعى حمورابي ، وذي القرنين ، وإسكندر المقدوني ، وبعض من ولي جمهورية اليونان.
وفي الآية دلالة واضحة على أن خلفاء الأمة مثل : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية كانوا بمحل الرضى من الله تعالى لأنه استخلفهم استخلافا كاملا كما استخلف الذين من قبلهم وفتح لهم البلاد من المشرق إلى المغرب وأخاف منهم الأكاسرة والقياصرة.
وجملة : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) بيان لجملة : (وَعَدَ) لأنها عين الموعود به. ولما كانت جملة قسم وهو من قبيل القول كانت إحداهما بيانا للأخرى.
وقرأ الجمهور : (كَمَا اسْتَخْلَفَ) بالبناء للفاعل ، أي كما استخلف الله الذين من قبلهم. وقرأه أبو بكر عن عاصم بالبناء للنائب فيكون (الَّذِينَ) نائب فاعل.
وتمكين الدين : انتشاره في القبائل والأمم وكثرة متبعيه. استعير التمكين الذي حقيقته التثبيت والترسيخ لمعنى الشيوع والانتشار لأنه إذا انتشر لم يخش عليه الانعدام فكان كالشيء المثبت المرسّخ ، وإذا كان متّبعوه في قلة كان كالشيء المضطرب المتزلزل. وهذا الوعد هو الذي أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم في أحاديث كثيرة منها حديث الحديبية إذ جاء فيه قوله : «وإن هم أبوا (أي إلا القتال) فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي (أي ينفصل مقدم العنق عن الجسد) ولينفذنّ الله أمره».