تعلمونها وما أهملنا في خلقها رعي مصالحكم أيضا.
والعدول عن الإضمار إلى الإظهار في قوله : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) دون أن يقال : وما كنا عنكم غافلين ، لما يفيده المشتق من معنى التعليل ، أي ما كنا عنكم غافلين لأنكم مخلوقاتنا فنحن نعاملكم بوصف الربوبيّة ، وفي ذلك تنبيه على وجوب الشكر والإقلاع عن الكفر.
[١٨ ـ ٢٠] (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠))
مناسبة عطف إنزال ماء المطر على جملة (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) [المؤمنون : ١٧] أن ماء المطر ينزل من صوب السماء ، أي من جهة السماء.
وفي إنزال ماء المطر دلالة على سعة العلم ودقيق القدرة ، وفي ذلك أيضا منة على الخلق فالكلام اعتبار وامتنان من قوله : (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ) إلى آخره. ومعنى هذه الآية تقدّم في سورة الأنعام وسورة الرعد وسورة النحل.
وإنزال الماء هو إسقاطه من السحب ماء وثلجا وبردا على السهول والجبال.
والقدر هنا : التقدير والتعيين للمقدار في الكمّ وفي النّوبة ، فيصح أن يحمل على صريحه ، أي بمقدار معيّن مناسب للإنعام به لأنه إذا أنزل كذلك حصل به الري والتعاقب ، وكذلك ذوبان الثلوج النازلة. ويصح أن يقصد مع ذلك الكناية عن الضبط والإتقان. وليس المراد بالقدر هنا المعنى الذي في قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «وتؤمن بالقدر خيره وشره».
والإسكان : جعل الشيء في مسكن ، والمسكن : محل القرار ، وهو مفعل اسم مكان مشتق من السكون.
وأطلق الإسكان على الإقرار في الأرض على طريق الاستعارة. وهذا الإقرار على نوعين : إقرار قصير مثل إقرار ماء المطر في القشرة الظاهرة من الأرض عقب نزول الأمطار على حسب ما تقتضيه غزارة المطر ورخاوة الأرض وشدة الحرارة أو شدة البرد ، وهو ما ينبت به النبات في الحرث والبقل في الربيع وتمتص منه الأشجار بعروقها فتثمر إثمارها وتخرج به عروق الأشجار وأصولها من البزور التي في الأرض.