وتقدم قراءة بيوت بكسر الباء للجمهور وبضمها لورش وحفص عن عاصم عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) في هذه السورة [٢٧].
(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
تفريع على الإذن لهم في الأكل من هذه البيوت بأن ذكّرهم بأدب الدخول المتقدم في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) [النور : ٢٧] لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد ولا يغرّنه قول الناس : إذا استوى الحب سقط الأدب.
ومعنى (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) فليسلم بعضكم على بعض ، كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩].
ولقد عكف قوم على ظاهر هذا اللفظ وأهملوا دقيقته فظنوا أن الداخل يسلم على نفسه إذا لم يجد أحدا وهذا بعيد من أغراض التكليف والآداب. وأما ما ورد في التشهد من قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فذلك سلام بمعنى الدعاء بالسلامة جعله النبي صلىاللهعليهوسلم لهم عوضا عما كانوا يقولون : السلام على الله ، السلام على النبي ، السلام على جبريل ومكائيل ، السلام على فلان وفلان. فقال لهم رسول الله : «إن الله هو السلام ، إبطالا لقولهم السلام على الله. ثم قال لهم : «قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء وفي الأرض».
وأما السلام في هذه الآية فهو التحية كما فسره بقوله : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) ولا يؤمر أحد بأن يسلم على نفسه.
والتحية : أصلها مصدر حيّاه تحية ثم أدغمت الياءان تخفيفا وهي قول : حياك الله. وقد تقدم في قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) في سورة النساء [٨٦].
فالتحية مصدر فعل مشتق من الجملة المشتملة على فعل (حيّا) مثل قولهم : جزّاه. إذا قال له : جزاك الله خيرا ، كما تقدم في فعل (وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) [النور : ٢٧] آنفا. وكان هذا اللفظ تحية العرب قبل الإسلام تحية العامة قال النابغة :
حيّاك ربي فإنا لا يحل لنا |
|
لهو النساء وإن الدين قد عزما |