(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢))
لما جرى الكلام السابق في شأن الاستئذان للدخول عقب ذلك بحكم الاستئذان للخروج ومفارقة المجامع فاعتني من ذلك بالواجب منه وهو استئذان الرسول صلىاللهعليهوسلم في مفارقة مجلسه أو مفارقة جمع جمع عن إذنه لأمر مهم كالشورى والقتال والاجتماع للوعظ ونحو ذلك.
وكان من أعمال المنافقين أن يحضروا هذه المجامع ثم يتسللوا منها تفاديا من عمل يشق أو سآمة من سماع كلام لا يهتبلون به ، فنعى الله عليهم فعلهم هذا وأعلم بمنافاته للإيمان وأنه شعار النفاق. بأن أعرض عن وصف نفاق المنافقين واعتنى باتصاف المؤمنين الأحقاء بضد صفة المنافقين قال تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [التوبة : ١٢٧] ولذلك جاء في أواخر هذه الآيات قوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) [النور : ٦٣].
فالقصر المستفاد من (إنما) قصر موصوف على صفة. والتعريف في (الْمُؤْمِنُونَ) تعريف الجنس أو العهد ، أي أن جنس المؤمنين أو أن الذين عرفوا بوصف الإيمان هم الذين آمنوا بالله ورسوله ولم ينصرفوا حتى يستأذنوه. فالخبر هو مجموع الأمور الثلاثة وهو قصر إضافي قصر إفراد ، أي لا غير أصحاب هذه الصفة من الذين أظهروا الإيمان ولا يستأذنون الرسول عند إرادة الانصراف ، فجعل هذا الوصف علامة مميزة للمؤمنين الأحقاء عن المنافقين يومئذ إذ لم يكن في المؤمنين الأحقاء يومئذ من ينصرف عن مجلس النبيصلىاللهعليهوسلم بدون إذنه ، فالمقصود : إظهار علامة المؤمنين وتمييزهم عن علامة المنافقين. فليس سياق الآية لبيان حقيقة الإيمان لأن للإيمان حقيقة معلومة ليس استئذان النبيصلىاللهعليهوسلم عند إرادة الذهاب من أركانها ، فعلمت أن ليس المقصود من هذا الحصر سلب الإيمان عن الذي ينصرف دون إذن من المؤمنين الأحقاء لو وقع منه ذلك عن غير قصد الخذل للنبي صلىاللهعليهوسلم أو أذاه ، إذ لا يعدو ذلك لو فعله أحد المؤمنين عن أن يكون تقصيرا في الأدب يستحق التأديب والتنبيه على تجنب ذلك لأنه خصلة من النفاق كما ورد التحذير من خصال النفاق في أحاديث كثيرة.