المعاني والبيان».
وقد نقول : إن آية سورة المؤمنين قصد منها الإنذار والتهديد بسلب تلك النعمة العظيمة ، وأما آية سورة الملك فالقصد منها الاعتبار بقدرة الله تعالى على سلبها ، فاختلاف المقامين له أثر في اختلاف المقتضيات فكانت آية سورة المؤمنين آثر بوفرة الخصائص المناسبة لمقام الإنذار والتهديد دون تعطيل لاستخراج خصائص فيها لعلنا نلم بها حين نصل إليها.
على أن سورة الملك نزلت عقب نزول سورة المؤمنين وقد يتداخل نزول بعضها مع نزول بعض سورة المؤمنين ، فلما أشبعت آية سورة المؤمنين بالخصوصيات التي اقتضاها المقام اكتفي عن مثلها في نظيرتها من سورة الملك فسلك في الثانية مسلك الإيجاز لقرب العهد بنظيرها.
وإنشاء الجنات من صنع الله تعالى أول إنبات الجنات في الأرض ومن بعد ذلك أنبتت الجنات بغرس البشر وذلك أيضا من صنع الله بما أودع في العقول من معرفة الغرس والزرع والسقي وتفجير المياه واجتلابها من بعد فكل هذا الإنشاء من الله تعالى.
والجنّة : المكان ذو الشجر ، وأكثر إطلاقه على ما كان فيه نخل وكرم. وقد تقدم عند قوله تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) الآية في سورة البقرة [٢٦٥].
وما ذكر هنا من أصناف الشجر الثلاثة هو أكرم الشجر وأنفعه ثمرا وهو النخيل والأعناب والزيتون ، وتقدم الكلام على النخيل والأعناب والزيتون في سورة الأنعام [٩٩] وفي سورة النحل [١١].
والفواكه : جمع فاكهة ، وهي الطعام الذي يتفكه بأكله ، أي يتلذذ بطعمه من غير قصد القوت ، فإن قصد به القوت قيل له طعام. فمن الأطعمة ما هو فاكهة وطعام كالتمر والعنب لأنه يؤكل رطبا ويابسا ، ومنها ما هو فاكهة وليس بطعام كاللوز والكمثرى ، ومنها ما هو طعام غير فاكهة كالزيتون ، ولذلك أخر ذكر شجرة الزيتون عن ذكر أخويها لأنه أريد الامتنان بما في ثمرتهما من التفكه والقوت فتكون منّة بالحاجيّ والتحسيني.
ووصف الفواكه ب (كَثِيرَةٌ) باعتبار اختلاف الأصناف كالبسر والرطب والتمر ، وكالزيت والعنب الرّطب ، وأيضا باعتبار كثرة إثمار هذين الشجرين.
(وَشَجَرَةً) عطف على (جَنَّاتٍ) أي وأخرجنا لكم به شجرة تخرج من طور سيناء