وتقدم الكلام على مثل قوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) في سورة هود [٣٧].
وقرأ الجمهور (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) بإضافة (كُلٍ) إلى (زَوْجَيْنِ). وقرأه حفص بالتنوين (كُلٍ) على أن يكون (زَوْجَيْنِ) مفعول (فَاسْلُكْ) ، وتنوين (كُلٍ) تنوين عوض يشعر بمحذوف أضيف إليه (كُلٍ). وتقديره : من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة.
[٢٨ ، ٢٩] (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩))
الاستواء : الاعتلاء. وتقدم عند قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) في سورة الأعراف [٥٤].
وإطلاق الاستواء على الاستقرار في داخل السفينة مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق وإلا فحقيقة الاستقرار في الفلك أنه دخول. وأتي بحرف الاستعلاء دون حرف الظرفية لأنه الذي يتعدى به معنى الاعتلاء إيذانا بالتمكن من الفلك فهو ترشيح للمجاز.
والتنجية من القوم الظالمين : الإنجاء من أذاهم والكون فيهم لأن في الكون بينهم مشاهدة كفرهم ومناكرهم وذلك مما يؤذي المؤمن.
والظلم : يجوز أن يراد به الشرك كما قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: ١٣] ، ويجوز أن يراد به الاعتداء على الحق لأن الكافرين كانوا يؤذون نوحا والمؤمنين بشتّى الأذى باطلا وعدوانا وإنما كان ذلك إنجاء لأنهم قد استقلوا بجماعتهم فسلموا من الاختلاط بأعدائهم.
وقد ألهمه الله بالوحي أن يحمد ربه على ما سهّل له من سبيل النجاة وأن يسأله نزولا في منزل مبارك عقب ذلك الترحل ، والدعاء بذلك يتضمن سؤال سلامة من غرق السفينة. وهذا كالمحامد التي يعلمها الله محمدا صلىاللهعليهوسلم يوم الشفاعة. فيكون في ذلك التعليم إشارة إلى أنه سيتقبّل ذلك منه.
وجملة (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) في موضع الحال. وفيها معنى تعليل سؤاله ذلك.
وقرأ الجمهور (مُنْزَلاً) ـ بضم الميم وفتح الزاي ـ وهو اسم مفعول من (أنزله) على حذف المجرور ، أي منزلا فيه. ويجوز أن يكون مصدرا ، أي إنزالا مباركا. والمعنيان