المحاورات الذي بيّناه في مواضع منها قوله : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
و (عَمَّا قَلِيلٍ) أفاد حرف (عن) المجاوزة ، أي مجاوزة معنى متعلّقها الاسم المجرور بها. ويكثر أن تفيد مجاوزة معنى متعلّقها الاسم المجرور بها فينشأ منها معنى (بعد) نحو (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [الانشقاق : ١٩] فيقال : إنها تجيء بمعنى (بعد) كما ذكره النحاة وهم جروا على الظاهر وتفسير المعنى إذ لا يكون حرف بمعنى اسم ، فإن معاني الحروف ناقصة ومعاني الأسماء تامة. فمعنى (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) : أن إصباحهم نادمين يتجاوز زمنا قليلا : أي من زمان التكلم وهو تجاوز مجازي بحرف (عن) مستعار لمعنى (بعد) استعارة تبعيّة. و (ما) زائدة للتوكيد.
و (قَلِيلٍ) صفة لموصوف محذوف دل عليه السياق أو فعل الإصباح الذي هو من أفعال الزمن فوعد الله هذا الرسول نصرا عاجلا.
وندمهم يكون عند رؤية مبدأ الاستئصال ولا ينفعهم ندمهم بعد حلول العذاب.
والإصباح هنا مراد به زمن الصباح لا معنى الصيرورة بدليل قوله في سورة الحجر [٨٣](فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ).
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١))
تقتضي الفاء تعجيل إجابة دعوة رسولهم.
والأخذ مستعار للإهلاك.
والصيحة : صوت الصاعقة ، وهذا يرجع أو يعيّن أن يكون هؤلاء القرن هم ثمود قال تعالى : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة : ٥] وقال في شأنهم في سورة الحجر [٨٣](فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ).
وإسناد الأخذ إلى الصيحة مجاز عقلي لأن الصيحة سبب الأخذ أو مقارنة سببه فإنها تحصل من تمزق كرة الهواء عند نزول الصاعقة.
والباء في (بِالْحَقِ) للملابسة ، أي أخذتهم أخذا ملابسا للحق ، أي لا اعتداء فيه