عليهم لأنهم استحقوه بظلمهم.
والغثاء : ما يحمله السيل من الأعواد اليابسة والورق. والكلام على التشبيه البليغ للهيئة فهو تشبيه حالة بحالة ، أي جعلناهم كالغثاء في البلى والتكدس في موضع واحد فهلكوا هلكة واحدة.
وفرع على حكاية تكذيبهم دعاء عليهم وعلى أمثالهم دعاء شتم وتحقير بأن يبعدوا تحقيرا لهم وكراهية ، وليس مستعملا في حقيقة الدعاء لأن هؤلاء قد بعدوا بالهلاك. وانتصب (فَبُعْداً) على المفعولية المطلقة بدلا من فعله مثل : تبّا وسحقا ، أي أتبّه الله وأسحقه.
وعكس هذا المعنى قول العرب لا تبعد (بفتح العين) أي لا تفقد. قال مالك بن الريب :
يقولون لا تبعد وهم يدفنوني |
|
وأين مكان البعد إلا مكانيا |
والمراد بالقوم الظالمين الكافرون (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣]. واختير هذا الوصف هنا لأن هؤلاء ظلموا أنفسهم بالإشراك وظلموا هودا لأنه تعمد الكذب على الله إذ قالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [المؤمنون : ٣٨].
والتعريف في (الظَّالِمِينَ) للاستغراق فشملهم ، ولذلك تكون الجملة بمنزلة التذييل.
واللام في (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) للتبيين وهي مبيّنة للمقصود بالدعاء زيادة في البيان كما في قولهم : سحقا لك وتبّا له ، فإنه لو قيل : فبعدا ، لعلم أنه دعاء عليه فبزيادة اللام يزيد بيان المدعو عليهم وهي متعلقة بمحذوف مستأنف للبيان.
[٤٢ ، ٤٣] (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣))
القرون : الأمم ، وهذا كقوله تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨].
وهم الأمم الذين لم ترسل إليهم رسل وبقوا على اتباع شريعة نوح أو شريعة هود أو شريعة صالح ، أو لم يؤمروا بشرع لأن الاقتصار على ذكر الأمم هنا دون ذكر الرسل ثم ذكر الرسل عقب هذا يومئ إلى أن هذه إما أمم لم تأتهم رسل لحكمة اقتضت تركهم على ذلك لأنهم لم يتأهلوا لقبول شرائع ، أو لأنهم كانوا على شرائع سابقة.