وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر منونا وهي لغة كنانة. وهو على القراءتين منصوب على الحال من (رُسُلَنا).
واعلم أن كلمة (تَتْرا) كتبت في المصاح ف كلها بصورة الألف في آخرها على صورة الألف الأصليّة مع أنها في قراءة الجمهور ألف تأنيث مقصورة وشأن ألف التأنيث المقصورة أن تكتب بصورة الياء مثل تقوى ودعوى ، فلعل كتّاب المصاحف راعوا كلتا القراءتين فكتبوا الألف بصورتها الأصليّة لصلوحيّة نطق القارئ على كلتا القراءتين. على أن أصل الألف أن تكتب بصورتها الأصليّة ، وأما كتابتها في صورة الياء حيث تكتب كذلك فهو إشارة إلى أصلها أو جواز إمالتها فخولف ذلك في هذه اللفظة لدفع اللبس.
ومعنى الآية : ثم بعد تلك القرون أرسلنا رسلا ، أي أرسلناهم إلى أمم أخرى ، لأن إرسال الرسول يستلزم وجود أمة وقد صرح به في قوله (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ). والمعنى : كذبه جمهورهم وربما كذبه جميعهم.
وفي حديث ابن عباس عند مسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ...» الحديث.
واتباع بعضهم بعضا إلحاقهم بهم في الهلاك بقرينة المقام وبقرينة قوله (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) ، أي صيّرناهم أحدوثات يتحدث الناس بما أصابهم. وإنما يتحدث الناس بالشيء الغريب النادر مثله. والأحاديث هنا جمع أحدوثة ، وهي اسم لما يتلهى الناس بالحديث عنه. ووزن الأفعولة يدل على ذلك مثل الأعجوبة والأسطورة.
وهو كناية عن إبادتهم ، فالمعنى : جعلناهم أحاديث بائدين غير مبصرين.
والقول في (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) مثل الكلام على (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون : ٤١] ؛ إلا أن الدعاء نيط هنا بوصف أنهم لا يؤمنون ليحصل من مجموع الدعوتين التنبيه على مذمة الكفر وعلى مذمة عدم الإيمان بالرسل تعريضا بمشركي قريش ، على أنه يشمل كل قوم لا يؤمنون برسل الله لأن النكرة في سياق الدعاء تعم كما في قول الحريري : «يا أهل ذا المغني وقيتم ضرا».
[٤٥ ـ ٤٨]
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧)